محمد علي العذر لنابليون فيقول: لقد كان أعوانه خونة كالعثمانيين. لقد تخلى عنه أعوانه الممتازون وقواده المشهورون من يدينون له بالفضل والشهرة والجاه، فهو ضحية خيانة الأصدقاء قبل ان يكون ضحية الأعداء!.
ويروي الرحالة ان الباشا كان شديد الشوق لمعرفة اثر التطورات الأخيرة في حوادث أوربا على العلاقة بين روسيا وبريطانيا في نيات الأخيرة نحو مصر. وحين حاول الرحالة إزالة مخاوف محمد على وشكوكه من جانب إنكلترا وإقناعه بسلامة نيتها نحو الدولة العثمانية ونحو مصر بالذات أبى الباشا ان يستجيب له، وهز رأسه في إنكار وهو يقول: ان السمكة الكبيرة تأكل السمكة الصغيرة، ومصر ضرورية لإنكلترا، فكيف اطمئن على نيتها نحو مصر؟ أنا لا أخاف من السلطان، فأنا اعرف كيف أتفوق عليه في المكر والدهاء، ولكني أخشى على مصر من إنجلترا وأطماعها.
ولاحظ بركات في لهجة محمد علي حماس الشاب الولهان، وغيرته على زوجته الصغيرة الحسناء من الغرباء، بالرغم من تأكده من حبها وإخلاصها.
عند ذلك يرد محمد علي على محدثه وهو يقول في حماس شديد كلمته الخالدة:(حقا أنا احب مصر، احبها حب العاشق المتيم الولهان، ولو كنت املك سوى روحي عشرة ألف أخرى، لضحيت بها في سبيلها).
أفلا يحق للقارئ - وقد انتهى من هذا الحديث الخالد - ان يهتف من أعماق قلبه:(حقا، لقد كان رجلا عبقريا؟)
كان وهو يحار الوهابيين في بلاد العرب يفكر في مصر وفي أهلها، وفي علاقتهم بولده إبراهيم وتركه حاكما عليها، فيسأله الرحالة عن مدى حب الأهالي لولده وعن رأيهم فيه؟ ألم يكن بهذا أول حاكم يبني علاقة الحاكم بالمحكوم على أساس متين من المحبة الصادقة؟ في الوقت الذي كان فيه الاستبداد من الأصول المرعية لدى الحكام والمحكومين؟
ألم يتابع - وهو في عزلته - تطور الحوادث العالمية مقدرا ما سيكون لها من اثر على مستقبل مصر؟ ألم يدرك بثقاب فكره وحسن تقديره، ونفاذ بصيرته، حقيقة العلاقة بين إنكلترا ومصر؟ وان واجب مصر يحتم عليها الأخذ بأسباب القوة حتى لا تلتهمها تلك السمكة الكبيرة؟