يستطيع الإنكليز الحصول على مدحك هذا عن جدارة واستحقاق حتى يتساوى المحكوم في (الخرطوم) بالمحكوم في (لندن) في كل الحقوق الديمقراطية، وحتى يؤمن الإنكليز ببيتي فيلسوف العرب المعري:
ولو أني جبيت الخلد فردا ... لما أحببت بالخلد انفرادا
فلا هطلت علي ولا بأرضي ... سحائب ليس تنتظم البلادا
واني لفي انتظار ردك الكريم.
(السودان)
ج. ح. البشير
هذا هو العتاب الوطني الكريم الذي تلقيته من الجنوب أشرت إليه في عدد مضى من (الرسالة). . . ان كلماته الملتهبة بصدق الوطنية وحرارة الأيمان لتهزني هزا عنيفا، تهزني لأنها تحمل ألي من أعماق النفوس الأبية نفحات ونفحات، وتنقل إلى من سجل الجهاد النادر سطورا هي في حساب الشعور صفحات. . . إماالعتاب - وان كنت لا استحقه - إلا أنني انزل من نفسي منزلة الود الخالص والاخوة المتسامية، الاخوة التي استروحت انسام الأرض الطيبة على ضفاف نهر واحد وتحت سماء وطن واحد!.
يا اخي، يا اخي في الله والدين والوطن. . . ان الأرض التي جمعت بين قلبي وقلبك لتجمع بين جراح وجراح، وان النيل الذي ربط بين روحي وروحك ليربط بين كفاح وكفاح. . . أنا هنا وأنت هناك، ويا بعد الشقة في منطق الظلم البغيض، ويا قربها في منطق الحب المتغلغل في طوايا الوجدان. . . نحن يا اخي ميدان الجهاد يد تمد إلى يد، وفي معرض التضحية قدم تسعى إلى قدم، وفي مجال الوفاء عاطفة تقبس من عاطفة. . . فكيف تعاتبني على كلمات قلتها في سياق الحديث عن قوم يؤمنون بالديمقراطية في أرضهم، ويكفرون بها في أرض الناس؟!.
اجل، يا صديقي، لقد كنت أتحدث عن الإنجليز في بلادهم، انهم هناك أصحاب ديمقراطية يؤمن بها الحكام ويستشعرها المحكوم، ويلقون جميعا في رحابها كأكرم ما يلتقي الإنسان الكريم بالإنسان الكريم. . . حقيقة نسجلها في اطمئنان ويسجلها التاريخ، حتى إذا ما سجلنا