إماالقسم الثاني، فهو لب الكتاب، وقد بيت القصيد في كتابه، فانه قال في المقدمة:(لما كان الجاحظ هو مؤسس علم البلاغة العربية وجامع مسائلها لم يكن مناص من اتخاذه الأساس الأول لهذه الدراسة). وقد وفق كل التوفيق في دراسة البلاغة الجاحظية وبلغ الغاية، ولا نملك إلا الثناء المستطاب على هذا الجزء من الكتاب، ولو أردنا ان نصور عمله لما وجدنا أوفى من تصويره وهو لمجهوده قال:(ولما كان - يريد الجاحظ - أكثر معاصريه استطرادا، أبعدهم عن مراعاة النظام في التأليف، فقد كان من العسير على من يبحث موضوعا عنده ان يركن إلى كتاب معين، وكان لابد لدارس بلاغته من قراءة جميع كتبه، وجمع المتفرق فيها، والمقابلة بينه وتفسيره، إذ كثيرا ما يبدو متناقضا، وهذا ما صنعت، قرأت ما بأيدينا من كتبه، وجمعت النصوص التي ورد فيها ذكر البلاغة أو أي اصطلاح من اصطلاحات علومها، أو لفظ من ألفاظها، أو معنى من معانيها، وحاولت ان أصور هذه الاصطلاحات كما تدل عليها تلك النصوص المبعثرة). ولم يفته ان يتحدث عن بعض معاصري الجاحظ وعن بعض الذين جاءوا بعده، وان كان حديثه إشارات عابرة.
وقصارى القول في جملة هذا الكتاب ان الجزء الأول منه سابغ فضفاض، وكان من الواجب ان يركز ويقتصر فيه على الأغراض الرئيسية في الموضوع. إماالجزء الثاني، فقد بلغ فيه الغاية، أجاد أفاد، لكن بقيت لنا تفصيلات نحب ان نراجع المؤلف فيها ونطرحها للبحث والدراسة، وسنغض الطرف عن الأغلاط الجزئية، وإنما نتناول مسائل ذات أهمية:
تحدث المؤلف عن قصة نقد النابغة لحسان بن ثابت في بيته المشهور: لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى=وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
وما كان من قول النابغة له: أقللت جفاتك وأسيافك، وقلت يلمعن بالضحى، ولو قلت يبرقن بالدجى لكان ابلغ في المدح؛ وقلت يقطرن من نجدة دما، ولو قلت يجرين لكان اكثر لانصباب الدم؛ ثم يقول المؤلف:(وقد يقال ان هذه الروايات ضعيفة - على ما قرر ابن رشيق من شهرة حديث النابغة، لكنها تلائم طبيعة الحياة الفنية، فيمكن الاطمئنان إلى وقوعها).
ونقول ان الحديث مشهور، ومشهور كذلك انه موضوع، ولسنا نلف وندور، ولكنا نضع هنا