فقاطعته قائلا كان زينة القرية وبهجتها، وأنسها وأمنيتها، ماذا أصابه؟!
فقال وكأنه يتحاشى النبأ:
- أسفاً على شبابه الغض! هو - يا صاحبي - هو. . . (القتيل) الذي رأيت على قبره الصيوان والأحزان. . . وتلك التي رأيتها تولول وتنوح (أمه)، وذلك المتشح بالسواد الذي كانت تضربه فل يتحرك هو (أخوه)!
- قتيل. . . ومن القاتل؟!
وهنا تململ صاحبي وهمس بأذني والدمع قد بلل وجهه:
- حقاً إنها مأساة! لقد قتل (أخوه). . . يا صاحبي!
- وكيف قتله ولماذا؟!
- ذلك هو حكم القدر!
وهنا تمثل لي (بوذا وبرنا وكونفوشيوس) باكين محزونين، يلقون على هذه الإنسانية نظرة إشفاق ورثاء، وقد نظر كل واحد منهم إلى صاحبه - والألم يمض نفسه - كمن يذكره بمصير تعاليمه، ومآل مبادئه. . .
ولقد أثار حديث صاحبي كوامن الألم في نفسي، والأسى في لبي. . . فقلت: عليه رحمة الله، ولم أشعر - قبل أن أترك يد صاحبي إلا ولساني يتلو قوله تعالى:
(وأتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين. لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين. إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين. فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين).