يرى الأستاذ محمد منصور خضر أن (الاعتبار بالحرقة) في كلام الجنيد خطأ وأن صحته (الاعتبار بالحرفة) بمعنى المهنة أو الصنعة لأن التصوف الحق هو العمل والعمل عندهم هو الحياة.
وأرى أن (الاعتبار بالحرقة) هو الصحيح هنا ومعناه الحب والتشوق الذي يشغل الإنسان عن ما سوى الله ويزداد حرقة وحرارة بازدياد القرب ومعنى قول الجنيد أنه ليس الاعتبار بالظاهر من اتخاذ الشارات ولبس الصوف وأكل الخشن وإنما الاعتبار بالباطن وما وقر في الصدور من الإخلاص والصدق والحب والمراقبة. . . والمواجيد الأخرى.
ومن ناحية سلبية يمكن القول أن التجرد عند الصوفية أسمى من التعلق بالأسباب ولكن الصوفي قد لا يتأتى له من الاجتهاد ورفع الهمة حتى يتحقق بالتجرد فيأخذ بالأسباب ويدعو السالكين في بدء دخولهم في الإرادة إلى ذلك. فرفع الهمة والأخذ بالأسباب معا في نفس الصوفي يجني تزايد هذا من تناقص ذا. ولكن غاية الصوفي التجرد ورفع الهمة حتى قال أحدهم (من تزوج أو تحدث أو سافر في طلب المعاش فقد ركن إلى الدنيا) وشاور أحد المريدين الخواص في أن يعتزل الناس ويعتكف في المسجد فقال (إن كنت على إيمان إبراهيم الخليل فاعتكف) وفي حكم ابن عطاء الله (إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك في التجريد انحطاط عن الهمة العلية).
فالاعتبار بالحرفة أمر لا يتفق وروح الصوفي الذي ينزع إلى الخروج إلى الله والتجرد من الأسباب والتحرر من رق الآثار والأكوان.