للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وبدأ في نابولي آثار أدبية أتمها في فلورنسا منها (فيلوكولو) و (فيلوستراتو) و (تسيد)؛ وزاد تلك الآثار (اميتو) و (فياميتا) و (نتفال فينسالانو). وعاد بعد ذلك إلى نابولي. أما فياميتا، فقد كان قلبها يخفق بحب غيره حتى قبل مغادرته نابولي. والمعتقد أنها توفيت سنة ١٣٤٨ في وباء الموت الأسود المروع الذي يعتبر نهاية العصور الوسيطة في التاريخ، فقد أهلك ثلاثة من كلُّ خمسة أشخاص في فلورنسا ونابولي ومختلف بقاع أوربا وإنجلترا، فكان موتها ضربة أليمة لقلبه المعذب. وقد خلدها في الفصل الأول الذي يفتتح به كتابه العظيم (دي كامرون) إذ يعترف أن هذا الحب هو الذي دفعه إلى كتابة هذا الأثر الخالد، وفي القصص التي كتبها سابقاً يعود إليها فصلا فصلا، فيشيع في جوها حب فياميتا واللوعة على فراقها والحنين إليها.

لقد كان حبه لفياميتا الأساس لجميع أعماله الأدبية، حتى رأى بترارك فنشأت بينهما مودة متبادلة كانت عوناً على تناسى بعض آلامه وعلى شفاه بعض الجراح العميقة التي سببها موتها.

لقد مات الحس المرهف في خياله، وخبا النور الذي كان يشرق على بصيرته في شمس الحب، فتلبد حسه، وتحجرت عواطفه، وانتهت أجمل فترة من فترات الإلهام، فكتب بعد (دي كامرون) كتابه (كاربا كشيو) وهو مجموعة من الهجاء المقذع ما رأته لغة من اللغات، صب جام غضبه فيه على الدنيا التي حرمته الحب وعذبته بقسوتها. . .

ثم هدأت الثورة قليلا في عواطفه، ومال من تلقاء نفسه وبتشجيع من صديقه بترارك إلى نوع من الاستقرار وتناسي الماضي، فأخذ يدرس الآداب اللاتينية والإغريقية، وكتب كتابه (تاريخ حياة دانتي) وأهدى نسخة من (الكوميديا الإلهية) إلى صديقه بترارك، وأهدى إليه بترارك في مقابل ذلك مجموعة خطية من إلياذة هوميروس.

لقد رأى بترارك للمرة الأولى في ربيع عام١٣٥١ في مدينة بادوا، حيث ذهب إليه يرحب به بإسم مدينة فلورنسا ليعود من منفاه. فشاهد حماسه الشديد للآداب الكلاسيكية أو الدراسات المقدسة، وعدم رضاه عن الأدب الإيطالي، وقد كان لذلك، لسوء الحظ الأثر الفعال في نفس بوكاشيو، فترك العناية بالأدب المعاصر، وقصر مجهوده الأدبي على دراسة آداب اللغة اللاتينية وكل ما يتصل بها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>