يحب ابنتهما كلُّ الحب، ويعجب بها كلُّ الإعجاب. . . وما أكثر الذين كانوا يتهافتون على جمالها النادر فيرتدون على أعقابهم إلا ريكامييه، فقد وصل. وصل بماله إلى قلب الأم والأب، ولكنه لم يصل إلى قلب جولييت. . . وحين خطبها إلى أبويها ألحا على ابنتهما أن تقبله زوجاً فقبلت على مضض! كان في الأربعين من عمره. . . خمسة وعشرون عاماً تفصل بين قلبين، ومزاجين، وشعورين. وهنا يلتقي الخريف بالربيع، ربيع حياتها بخريف حياته! وعاشت في قصر ريكامييه كما تعيش الملكات، لكنها كانت تحس القفر في كلُّ مكان تطؤه قدماها. . . لقد مضت بها الأيام قلقة متشابهة، لا يشع فيها أمل يبدد من ظلام القلب والروح. أي شباب هذا الذي تقذف به المقادير في خضم من أعاصير الحيرة، فلا يدري على أي شاطئ ترسو سفينة أحلامه وأوهامه؟!. . . لقد مرت شهور ومدام ريكامييه لا تزال عذراء كما كانت. حياة كلها غموض وأسرار، ولقد كان الحياء وحده هو الذي يمنعها أن تسأله عن سره. . . سره الذي طال! أي إنسان هذا الذي يحوطها بعطفه وحبه وحنانه، ثم لا يقربها كما يقرب الأزواج. . .؟! كانت تتعذب في صمت، وتبكي للجمال يذوي بين يدي الحرمان، ولا تجد الجرأة على أن تفاتحه يوما بما يعتلج في نفسها: أليس رجلاً؟ أليس زوجاً؟ ألا يهزه هذا الجمال؟ ألا يصير راهباً إلا حين تربط بينهما المقادير؟! وتتلظى الكلمات على شفتيها كصفوف جيش أعدت للهجوم، وتلتهب الأفكار فيما بينها التهاب القنابل. . . ولكنها حين تلتقي بزوجها وجهاً لوجه، تموت الكلمات، وتخور العزيمة، وتخمد الجرأة، ولا يبقى إلا الحياء يشل منها اللسان، ويجعل منها إنسانة ضعيفة مسلوبة الإرادة! كانت تتلهف إلى شيء واحد. . . هو أن تعلم سره. ولكن سره الرهيب كان أمنية بعيدة المنال، وعاشت مدام ريكامييه وماتت، دون أن تعلم شيئاً. لقد عاشت عذراء، وماتت عذراء!!
ثلاثة هم الذين كانوا يعلمون سر ريكامييه: الله. . . وهو. . . وأمها! أكان يمكن أن يبوح مسيو ريكامييه بسره إلى زوجته ألا ما أقسى سخرية القدر!. . . أيقول لها إنه أبوها، وإنها ثمرة حبه من أمها؟! أمن الممكن هذا؟ زوج وأب؟ وتريد ابنته أن يعاشرها كزوج؟. . . إنه يحنو عليها كما لم يحن على إنسان، ويؤثرها بحبه وعطفه ورعايته، لينسيها على مر الزمن هذا الذي تفكر فيه، ويرمض جوانحها بالعذاب! واستطاع مسيو ريكامييه على الأيام