للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن يحل الروح نفسها محل الجسد، وان يزيح عن كاهلها كثيراً مما تعانيه.

أما لماذا تزوجها وهو يعلم أنها ابنته، فذلك سر آخر. . . كان ريكامييه من أنصار الملكية، وكان ينتظر يومه الذي لا مفر منه على أيدي الثوار. وكان يدرك أن المقصلة في انتظاره، وإذا كانت قد أخطأته اليوم فلن تخطئه غداً، فلمن يترك ملايينه بعد مصرعه؟ ليس هناك من يستحقها غير ابنته. . جولييت برنار! ومن هنا تزوجها ليكفل لها حياة هنيئة، يسعد فيها هذا الجمال الذي ينتسب إليه. كان يخشى أن يثير الظنون إذا ما ترك لها ثروته دون علاقة تربط بينها وبينه. . . ولكن المقصلة تخطئه، والثوار يغفلون عنه، ويقدر لمسيو ريكامييه أن يعيش ليتعذب وأي عذاب أكثر من هول الشعور الذي كان يرزح تحت أثقاله. . الشعور بأن زوجته هي ابنته؟! لكم ود أن يطلقها ولكنه لم يستطع، إنها ابنته ومن حقها وحدها أن تنعم بثروة أبيها. وماذا يقول زوجها الآخر إذا ما قدر لها أن تتزوج من بعده، حين يكتشف أنها خرجت من بيته وهي عذراء؟! أليس في ذلك ما يجرح كرامته كرجل يعتز برجولته؟ أليس من المحتمل أن يكشف سره فيتهامس به الناس، فلا يلبث أن يكون حديثاً تجهر به الشفاه؟!. . . ويلح عليه العذاب حين يخلو إلى نفسه، ويشعر أن زوجته، تلك الزنبقة الغضة، قد أرغمت على أن تعيش بسببه بين سفى الرمال ولفح السمائم! شيء واحد كان يعجب له مسيو ريكامييه ولا ينتهي له عجب، هو ما تتحلى به ابنته من طهر وعفاف، على الرغم من أن حياتها الزوجية قد خلت من الرجل!. . . لقد كانت مدام ريكامييه محط أنظار الشباب وحديث أمانيهم، يتهافتون عليها في كلُّ مكان من أجل نظرة أو ابتسامة. وما أكثر ما كانت تنظر إليهم وتبتسم لهم، وتضن عليهم بما دون ذاك. . . إنها امرأة، وجميلة، فلم لا تفيض على ركب المعجبين من هذا النبع الفياض، وهم الذين يشعرونها في كلُّ لحظة بأنها إنسانة ساحرة، تنطق بذلك وجوههم فلا حاجة بها إلى مرآة؟! من هنا كان ريكامييه يعجب بها ويعجب لها، ويزداد حبه لزوجته وتقديره لابنته. . . وكانت مدام ريكامييه تنسى مرارة الحرمان حين ترمقها نظرات المعجبين، وحين تنادي شفتيها شفاههم الظامئة، فتمتنع وفاء للزوج، واستجابة للضمير، وإرضاء للدلال!. . . جمال تتقاذفه أمواج الحرمان فحرم من نعيم الحياة وحرم معه الناس، وزهرة ندية بالعطر فواحة بالأرج، عاشت في تربة من عفاف وصون فعزت على القاطفين!

<<  <  ج:
ص:  >  >>