للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتعريف علماء البلاغة له وهو يتفق مع القائلين بأن التنافر إنما يكون إذا تقاربت الحروف في مخارجها، ولكنه يشترط لذلك ألا يفصل بين الحرفين حركة من الحركات لأن الحركة صوت كسائر الأصوات الأخر. وعلى هذه القاعدة يجب أن تنظر في الشواهد التي ساقها البلاغيون للتنافر.

ثم يتحدث عن طبيعة الأصوات وصلتها بموسيقى الشعر، فالأصوات المهموسة وأصوات الأطباق وبعض أصوات الحلق لا تستسيغها موسيقى الشعر كما تستسيغ الأصوات المجهورة، والشديدة أسهل من الرخوة فعدم استحسان كلمة (اطلخم) يرجع إلى الطاء والخاء لأن الأولى من أصوات الأطباق والثانية من أصوات الحلق وكلاهما مهموسان.

وفي هذا الفصل يتحدث عن (جرس الألفاظ في البديع) ويناقش عبد القاهر الجرجاني مناقشة عنيفة لأن الجرجاني لا يهتم بجرس الألفاظ بل يعزو الجمال في التعبير - إذا كان هناك جمال - إلى المعنى وحده.

يقول الدكتور في صفحة ٤٤: (ولاشك أن عبد القاهر قد بالغ في هذا مبالغة غير محمودة، فجمال الجرس أمر معترف به بين أهل الأدب ونقاده ولا معنى لإنكاره).

ثم يقول في الصفحة نفسها: (وتظهر مبالغة الجرجاني حين نتذكر أن نقاد الأدب، قديمهم وحديثهم، قد أجمعوا على أمر واحد وهو وجوب إخضاع اللفظ للمعنى). وإلى هنا يبدو شيء من التناقض بين التعبيرين، ويظهر أن الدكتور أراد أن يقول: إنهم يجمعون على إخضاع المعنى للفظ حتى يتناسب هذا مع إنكاره لرأي الجرجاني، وإلاّ فأية مبالغة تظهر عند الجرجاني وهو الذي لا يقيم لجرس الألفاظ وزناً: (فإذا رأيت البصير بجواهر الكلام يستحسن شعراً ويستجيد نثراً يجعل الثناء عليه من حيث اللفظ. . . فأعلم أنه ليس ينبئك عن أحوال ترجع إلى أجراس الحروف وإلى ظاهر الوضع اللغوي بل إلى أمر يقع من المرء في فؤاده). ويقول معلقاً على الجناس والسجع: (وعلى الجملة فانك لا تجد تجنيساً مقبولاً ولا سجعاً حسناً حتى يكون المعنى هو الذي طلبه واستدعاه وساقه إليك). والجرجاني يستحسن سجع الجاحظ لأنه خال من التكلف والصنعة ويزيف كثيراً من التجنيس عند أبي تمام ومن نحا نحوه لأنه مصطنع متكلف، ويسوق لذلك أمثلة كثيرة في أسرار البلاغة الحسن والقبيح.

<<  <  ج:
ص:  >  >>