ومنقباً عن أسباب الخيبة والفشل وانتقاض العمران، ليلبس ذلك كله للعرب ويسنده إليهم، ويلحقه بهم غير مستنكف ولا متورع.
وإما أن يكون ابن خلدون على النقيض من ذلك، أي أنه عربي محض، وأن تحامله على العرب كان وليد تأثره بأوضاع شخصية، وظروف خاصة أحاطت به في شتى أطوار حياته وتشتت بها شمله، وتغرب عن بلده، وقاسى من العناء والمشقة الدسائس وحسد الحاسدين، ما يجعله يسئ الظن بأقرب المقربين إليه فيعيد هذا الفساد الخلقي إلى نقص موروث، تناقله الأبناء عن الآباء.
أضعف إلى ذلك أنه كان يعيش في زمان كثرت فيه الدويلات، وانتقصت فيه ممالك الإسلام من أطرفها. فهذا (تيمور لنك) يكتسح الممالك الإسلامية من الشرق فتخر بين يديه دولة أثر دولة. . . وهؤلاء الأسبان في الأندلس، يدحرون المسلمين أمامهم، وينتزعون منهم بلداً أثر بلد. وهنالك الثورات والقلاقل التي كانت لا تخبو نارها، ولا يخمد أوارها. ثم هو لا يزال يشاهد من أهوالها ما يجعله ذاهلاً حائراً، لا يدري إلى أية فئة ينحاز، ولا إلى أي قبيل يلتجئ!!
وأذا ما التزم العافية عاش عالة على سواه، وبقى هملا لا قيمة له ولا أثر، وهيهات أن يرتضي ذلك ابن خلدون، وهو سليل السادات، وحفيد الأمجاد. إذن فلا بد من أن يخوض هذه المعممة، ويصيبه من شرورها شتى الألوان.
ومن ظن ممن يلاقي الحروب ... بأن لا يصاب فقد ظن عجزا
فابن خلدون إذن حين يحمل على العرب هذه الحملات، إنما يتحدث عن عرب زمانه، ومن يدري، فلعلهم - شأن من يؤثرون الشقاق على الألفة، ويظهرون العدو للإيقاع بأخوانهم!! - جديرون بهذا الذي نعتهم به، بل خليقون بأكثر منه. . . وهو حين يتجاوزهم إلى من سبق من أسلافهم لم يزد على أن يأخذ البرئ بجريرة العاصي، وتلك سنة من جمع به هواه.
وعين الرضا عن كلُّ عيب كليلة ... كما أن عين السخط تبدي المساويا
هذا ما عن لي أن أقوله في تعليقي على رأي ابن خلدون في العرب، وذلك (على هامش دراسات الأستاذ الحصري). ولعلي أميل في تعليل تحامله إلى الرأي الثاني وهو في يقيني