للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويلتفت الأستاذ عنان بعد هذا التعليق إلى نسب ابن خلدون، التفاتة بارعة، مستقرئاً ذلك من الحقيقة الراهنة مع ابن خلدون. فيقول: (وهناك أيضاً ما يبعث على التأمل في تعلق ابن خلدون بهذه النسبة العربية، وهو أنه في مقدمته يضطرم نحو العرب بنزعة قوية من الخصومة والتحامل، بينما نواه في مكان آخر من تاريخه يمتدح البربر ويشيد بخلالهم وصفاتهم).

وهذا الذي يقوله الأستاذ عنان يكاد يقره الكثيرون، وذلك حين يؤكدون: أن مثل هذه الخصومة البادية في تحامل ابن خلدون على العرب، لا يمكن أن تصدر عن مؤرخ استهدف الحقيقة، وزاملته النزاهة، وصحبته الاستقامة. كما أنه من البعيد المستهجن أن لا تكون الأمة استطاعت أن تتغلب على دولتين من أقوى دول الأرض يومذاك، وأن تشيد على أعقاب ملكهما ملكاً تزدهر فيه الحضارة ويعم الرخاء، ويستبحر العمران، ويقوى على مقارعة الخطوب ومصاولة الأيام سنين طويلة وعصوراً مديدة.

أجل، إنه من المستهجن حقاً ألا يكون لهذه الأمة من المزايا ما يجعلها في نظر ابن خلدون في مصاف الفرس والرومان، أو في مصاف (البربر) على الأقل!! الذين امتدحهم كثيراً، وأطنب في مدحهم، وذكرهم في كثير من المواطن التي كان للعرب ما يفوقها، فضلاً عن أن يماثلها ويسير في تهجمها. وأن ذلك عجيب يستفز الريبة!!

إذن فلم يبق أمامنا إلا أحد وجهين: إما أن ابن خلدون كان اتهامه في نسبه حقيقة راهنة، حتى بدر على لسانه هذا الذي بدر الشك في ترتيب ذلك النسب، ثم هو يدعيه ويتظاهر به، حرصاً على مكانته لدى الملوك والأمراء، إذ كانت العروبة - كما يذكره الرواة - (شرفاً يرغب في الانتساب إليه). إلا أنه ينم عليه قلمه، ويكشفه تعصبه، فإذا هو عدو في ثياب صديق، وإذا هو يحمل ضغينيين:

أولاهما: هذا العداء الموروث الذي كانت تنطوي عليه تلك الأقوام المختلفة من دعاة الشعوبية في شتى الأقطار التي دخلها العرب غزاة فاتحين.

وأخرهما: هذا الحقد المرير الذي يضطرم في دخيلة نفسه، كلما الفاه محمولاً على أن يتظاهر بالانتساب إلى غير أهله، حرصاً على مكانه بين الناس!

ومن جراء هذه وتلك ينبري ملتمساً المثالب في كل باب، ومقتنصاً المعايب من كل سبيل،

<<  <  ج:
ص:  >  >>