أجلاله وأكباره، وتقدير اللائق بمكانته العلمية الرفيعة. . . على أنه من الجدير بنا في هذا المقام إلا نتمهن رأينا وتفكيرنا، فيصور لنا احترامنا لابن خلدون سقطاته التي وقع فيها حسنات كلها. وهيهات! فالحق أبلج والباطل لجج، وأن الحقيقة التي لا نرتاب في صحتها هي أن ابن خلدون قسا في حكمه على العرب قسوة بالغة، وحكم عليهم حكما كان من القمين به وبمكانته العلمية أن يتبصر كثيراً في إصداره والمجاهرة به.
وأما أنه أصدر هذا الحكم لأنه كان دعي النسب في العرب، فذلك أمر يحتاج البت فيه والجزم في صحته إلى كثير من التدقيق. ولا أدري هل كان ابن خلدون دعياً في نسبه حقاً؟! وأنى لنا معرفة ذلك لا تخالطها ريبة، ولا يمازجها شك!!
يقول الرجل (أعني ابن خلدون) عن نفسه أن يرجع في أصله إلى العرب اليمانية في حضر موت، (ونسبه إلى وائل بن حجر، ويعتمد في ذلك على رواية النسابة الأندلسي ابن حزم (توفي سنة ٤٥٧هـ) غير أنه يشك في صحة هذه السلسلة، ويعتمد أن أسماء منها قد سقطت. لأنه إذا كان خلدون هو جده الداخل إلى الأندلس عند الفتح، فإن عشرة أجداد لا تكفي لقطع ستة قرون ونصف التي انقضت منذ الفتح حتى مولده. وفي رأيه أنه يجب لقطعها عشرون، باعتبار ثلاثة أجداد لكل قرن. وأما نسب جده خلدون الداخل إلى الأندلس، فهو كما روى ابن حزم أيضاً: خالد، المعروف بخلدون بن عثمان بن هانئ بن الخطاب بن كريب بن معد بن الحارث بن وائل بن حجر. فابن خلدون - طبقاً لهذه النسبة - سليل أصل من أعرق الأصول العربية اليمانية. . .).
هذا ما يقوله ابن خلدون من نفسه مستقى من تلخيص الأستاذ عبد الله عناني المحامي الذي يقول في تعليقه على هذا النسب ما يلي:(ولكن هنالك ما يجعل على الشك في صحة هذا النسب البعيد، الذي يدونه ابن حزم لأول مرة في القرن الخامس الهجري. ويقوي هذا الشك لدينا ما نعرفه من ظروف الخصومة والتنافس بين العرب والبربر في الأندلس. . . وكانت العروبة في الأندلس شرفاً يرغب في الانتساب إليه، لما كان لها من السيادة والنفوذ، ولكن الشك كان يحيق بأنساب كثيرة من أهل العصبية والرياسة. بل لقد تطرق هذا الشك إلى أنساب زعماء الفاتحين أنفسهم، فقيل عن طارق بن زياد أنه من البربر، وقيل أنه فارسي من موالي العرب. . .).