في نهاية اليوم الثاني بعد أن تم اختيار نيفيل ملكة لليوم الثالث اقترحت عليهم أن يزوروا مكاناً جديداً بالغت في مدحه، وهو قصر فخم على سفوح تلال الفيزول ويسمى فيلا بالميرى. . .
وفي مساء اليوم السادس، وكان يوماً من أيام الربيع، وبعد الانتهاء من القصص، وكانت قصيرة، وبينما كان الرجال الثلاثة منهمكين في لعبة النرد، أشارت أليسا من طرف خفي إلى صواحبها الست، فتجمعن واقترحت عليهن الذهاب إلى مكان جميل جداً يدعى لافلا ويلدون. وبعد مسيرة ميل واحد وصلن إلى مجرى يسيل منه ماء عذب رقراق كالبور، وكان السهل الذي يجري فيه ذلك المجرى عبارة عن دائرة قطرها نصف ميل تحيط بها ستة تلال وينبع من بين تلين، ويكون في طرف السهل بركة لا يزيد عمقها عن بضعة أقدام وقد أغراهن صمت المكان والماء فنزعهن ملابسهن وابتدأن في الاستحمام، ولا تزال هذه البقعة تدعى بالاسم نفسه حتى الآن. . .
ونعود الآن إلى القصص نفسها فنرى أنها تعود في أصولها إلى المصرين القدامى والعرب والفرس والفرنسيين. ومن المحقق أن بوكاشيو لم يعرف مصادرها، وإنما سمعها في نابولي وأنحاء إيطاليا، ولعل ثلثها يعود في أصوله إلى المصادر الفرنسية وقسما إلى الهنود والفرس، والقليل إلى المصادر اللاتينية. إننا نستطيع توجيه التهمة نفسها إلى شكسبير وتشوسر ونتهمهما بالنقل وعدم الإبداع. ولكننا حين نوجه التهمة نفسها إلى بوكاشيو نقول واثقين إنه لم يعرف تلك الصادر، وإنما رأى فيها عملا إبداعياً أصيلاً. . .
إنه كتاب يتصل بالناس كما تتصل بهم الحياة، يتصل بهم في الجد واللهو، في الفضيلة والرذيلة، في الشر والخير، في التهكم والمجون، وهو إلى جانب ذلك مفعم بالمجازفات والمآسي والأفراح والنهايات التي يلعب الحظ فيها دوراً كبيراً، وهو في تفصيله مجموعات من الحقائق الصحيحة أضفت عليها عين الفنان اليقظة ثوباً قشيباً تراءت فيه أعمال الناس وعاداتهم وطبائعهم في ذلك العصر واضحة جلية. . . أنه البؤرة التي انعكست عليها الحياة بكل ما فيها من مظاهر. . . فهو كتاب قريب إلى الإنسانية أكثر من أي كتاب آخر لدانتى أو تبرارك، حتى قصص شوسر، فإن الإنسانية فيها غير كاملة حينما تتصل بالحب وما يدور وراء النفس الإنسانية من شعور مكبوت. . .