وتتسم هذه القصص بتنوع صور الحياة التي عبرت عنها، فهي تكشف لنا القناع عن عدد من المتهورين المجازفين، وعن الحياة الخاصة التي يحياها وراء الستار عدد آخر من الناس تعرفهم على حقيقتهم المعرفة الصحيحة، وهذا هو فن بوكاشيو، لأن هذه القصص لم تكن عملا إبداعياً ولا دراسة للأخلاق، وإنما هي قصص تختلف في طولها وقصرها باختلاف الموضوع الذي تتصل به عن مجازفات، أو حب غير مشروع، أو راهب، أو امرأة؛ إما للتسلية أو إثارة الضحك وإشاعة السرور، أو جواب مختصر لتوبيخ شخص، أو لدفع خطر جسيم. ومهما كان نوع هذه القصص، على روعتها وشهرتها فإنها ليست الدافع الوحيد الذي يدفع المولعين بديكامرون إلى قراءتها المرة بعد الأخرى في رغبة وسرور.
إن سر خلود هذا الكتاب هو الجماهير الحية التي تتحرك فيه. هنالك شخصيات أخرجتها فنه فيه حية وبقيت كذلك وستبقى إلى يوم يبعثون تثير في قرائها الدهشة الإعجاب إثارة لا تقل عما تفعله شخصيات شكسبير الخالدة فينا. . . لقد عاشت للأبد لأن الفن الخالد حملها إلى عالم الخلود. . .
أنه صورة مصغرة للدنيا، ومرآة انعكست عليها حياة الناس في ذلك الزمن، إلا أن المثالية والهدف السامي يرفع الأعين إلى النور، ة ويجعل للعمل الفني قيمته التي لا ينكرها أحد، لا توجدان فيه.
أما الأدب المكشوف والتعابير الجنسية الساخرة التي تفيض بها القصص فمرده إلى الأصول الفرنسية التي نقل عنها وهذبها كثيراً. . . ومن المحقق أن التعبير عن الأدب الجنسي المكشوف في ذلك الوقت، كما هو الآن غير مألوف ولا مستساغ. . . لكن بوكاشيو جعل منه فناً أبدع فيه أيما إبداع، وأخرجه من مكانه المستور من حياة الأفراد والجماعات ورجال الدين إلى الحياة اليومية وجعله ملموساً مألوفاً يتحدث عنه متهكما كأنه يتحدث عن شئ لا يتعارض مع قيم المجتمع الروحية والخلقية.
إن كل ما في الكتاب مبالغ فيه، وخصوماً الموضوع الجنسي الذي أسرف فيه إسرافاً عظيماً، فصور الشبان والشابات غارقين في الإثم والفجور والخلاعة إلى أبعد الحدود، وصور الزوجة تلهو ما شاء لها اللهو والزوج غير مكترث بما يدور حوله، وصور رجال الدين لا يعلمون شيئاً عدا الانقياد للشهوات والسير وراء مطالب الجسد. . . يصور كل