والدافع الأساسي الخفي الذي دفعه إلى ذلك - كما اعتقد - هو طفولته الأولى، فعند ما فتح عينيه في الحياة ووجد أنه بن غير شرعي لأبيه. . . وحينما فهم ما يدور حوله من حقائق، وأدرك قيود الكنيسة والمجتمع، وإنه غير مسؤول عن خطأ أبيه، جرد القلم لينتقم لأمه جان، فجعل نساء عصره ساقطات، وتلفت إلى رجال الدين فتأثر منهم بما يضطرم في قلبه من ألم وحقد وحرمان.
وعلى هذا الأساس، لا يجمل بنا أن نحكم على نساء عصره بالحكم الجائر الذي أصدره عليهن في قصصه، ولا يصح كذلك أن نتصور رجال الدين من الرهبان والقاسية غارقين في الفجور كما أرادهم أن يكونوا، ومع ذلك فلا يعني أننا ننفي نفياً باتاً عن المجتمع في عصره بعض الصور المخجلة التي صور فيها الرهبان والنساء. . . لقد كان فناناً لا يشق له غبار في (الكوميديا)، وتربة صالحة من هذا النوع تنمو فيها بذور التهكم والمجون والعبث.
ويجدر بنا أن نشك كثيراً في صحة هذه القصص. إن الرذائل تثير عادة ضجة أكثر من الفضائل، ورجال الدين في القرن الرابع عشر في إيطاليا كانوا يمدون أنحاء الكرة الأرضية بالمبشرين الذين تلهبهم الحماسة والعقيدة لنشر دينهم بين الشعوب، وإيطالياً نفسها كانت المكان الوحيد الذي اشتهر بالقديسين، فلا يعقل - والحالة هذه - أن يسوء يلوك رجال الدين إلى هذا الحد دون أن يكون له رد فعل سيئ على الكنيسة في إيطاليا وخارجها. ولكن هذا لا يمنع من وجود طبقة غير نقية السمعة اختلطت برجال الدين فشوهت سمعتها لأنه لم يسبق لأحد أن يشك في أخلاق الناس في القرن الثالث عشر بسبب جحيم دانتي، وتماشياً مع ذلك، لا يجوز أن نحكم على أخلاق الناس في القرن الرابع عشر بسبب قصص ديكامرون.
إن هذا الكتاب والكوميديا الإلهية يعبران تعبيراً صادقاً بحكم ما فيهما من قوة وحيوية ونشاط عن العصر الذي ولدا فيه، وعلى ما كان عليه ذلك العصر من حركة ووعي.
إن انتشار دي كامرون وحماس الناس له، لم يحولا دون النقد الشديد الذي وجه إليه في ذلك الزمان، ونجد دليلا على ذلك في مقدمة اليوم الرابع وفي نهاية الكتاب. لقد قاومته الكنيسة