إن الذي يغنم كنوز المطالعات ما يغنم ولا يكتب بدوره سطوراً يقدمها للحياة وللناس يقف موقف من ينعم بمال الدائن ولا يفي الدين وليس ذلك بالموقف الكريم المستحب. . . إن من أخذ يجب أن يعطي، هكذا تقول لنا الطبيعة. . .
ولاشك أن تاجرنا المراسل الذي يهوى الأدب ويحب (الرسالة) يعرف من تجارته أنها استيراد وتصدير، وكذلك هو الأدب، وإني لأدعوه إلى الكتابة بالشكل الذي يراه وقد تكون فيه وراء شغفه بالمطالعة قوة كامنة لم يهتد إليها بعهد ولم يسمع صوتها. . إن فينا من القوى الخفية ما يفوق بكثير ما يطفو على بحورنا من القوى الظاهرة. وكم من أديب قضى الحياة والقلم من يده خائف متردد والينبوع كامن راقد في أعماقه ينتظر حريته ويومه. . .
راجي الراعي
ليس في كلام العرب:
نقرأ كثيراً في هذه الأيام تصحيحات لغوية لبعض الكاتبين في الصحف والمجلات وعلى كثرة هذه التصحيحات لم نجد إلا القليل منها سلم من التصحيح، مما يدلنا على أن الكاتبين لا يتعمقون في البحث والاستقراء. وليست اللغة ضيقة المادة، حتى يتمكن كل من تحدثه نفسه بأن يقول هذا خطأ. وهذا لم يرد عن العرب، بل الواقع أن لهجات العرب كثيرة متشعبة، ولذلك قالوا: عجبت لنحوي يخطئ، ومجال التوسع في الاستعمال فسيح، الاستعارة والمجاز، والاشتقاق، كل ذلك مما يجعل مهمة (المخطئ) شاقة وعسيرة.
وقديماً ألف الحريري كتابه (درة الغواص في أوهام الخواص) وأطال فيما أعتقد أنه من الأوهام ولكن الشهاب الخفاجي تتبعه في (شرح الدرة) ورد أكثر ما كتبه.
وبين أيدينا كتاب (ليس في كلام العرب) لابن خالويه، وهو كتاب مملوء بالفوائد العلمية، وقد أثنى عليه ابن خلكان ثناء مستطاباً، غير أنه جاء ناقص الاستقراء، والقارئ للجزء الموجود بين أيدينا من الكتاب يجد فيه مواضع كثيرة فيها نظر، وقد اعتمد بعض مؤلفينا الكبار على هذا الكتاب فتابعوه في الخطأ، وأريد أن أذكر أمثلة مما قصر فيه ابن خالويه حتى يطيل الناشئون التريث قبل أن يقدموا على الحكم في المواد اللغوية.