مؤسساتهم ومعاهدهم ولغتهم فدرج الأدب والعلم في ظلال أعلامهم وزها الشعر في خمائل مجدهم، في حين أن قومنا دخلوا أرض كولمبس مسترزقين طالبين عطفاً وسائلين عدلاً. أما وجه الشبه ففي هذه الدولة الأدبية التي بناها قومنا هناك شأن العرب في الأندلس.
إن لانتقال العربية إلى الوطن البرازيلي ونشرها بين عشيرتنا المغتربة بالصحف والكتب حكايات لا تقل غرابة عن حكايات ألف ليلة وليلة، فالصحافة العربية كانت في أول عهدها ضرباً من الاستشهاد، ومزاولة الأدب العربي في تلك البيئة الغربية كانت نوعاً من الانتحار. ذلك لأن مغتربينا الأوائل كانوا في معظمهم أميين أو شبه أميين، ولم يكن همهم الأوحد إلا انتقاص الرزق وادخار الكسب. فما يجري في عروقنا قد ورثناه عن أولئك الذين قذفوا بأول قارب إلى البحر وعرفوا العالم الجديد قبل كولمبوس وأمير كو بآلاف السنين، وعن أولئك الذين توغلوا في قلب آسيا وفتحوا بلاد القوط من مغامرة مغتربنا الأول الذي ركب البحر إلى ديار بعيدة يجهل حتى اسمها أُسست دولة ضخمة بصناعتها وتجارتها لا يدرك عظمتها إلا من خبرها، ومن مجازفة ذلك الأديب الذي أنشأ أول نشرة عربية قامت الدولة الأدبية التي دعيت الأندلس الجديدة.
فالأندلس الجديدة هي نشيئة الأديب المغترب الذي استشهد في سبيل قومه ومن أجل لغته. زهد في كل شيء ما خلا وطنه، وقنع بالبلغة لكي يحافظ على لسانه. وليس الفضل أن تصون لغتك وأنت قابع في ديارك وبين عشيرتك، وإنما الفضل كل الفضل أن تصونها وتحضنها وتشقى من أجلها وأنت في بلاد غريبة عنك لساناً وعادةً وعرقاً.
على أن هذا المناضل الذي ذكرت لم يسلم من افتراء بعضهم حتى أن أحدهم وهو من أدباء دمشق عرض بأدباء المهجر عامة وتنقص شعراءه. وقد يكون عذره الوحيد أنه ألقى كلامه جزافاً أو أنه وقع عرضاً على بضاعة تافهة، ومثل هذه البضاعة كثير هنا وهناك وفي كل مكان. ولو تروى ومحص وكشف الرغوة عن الصريح لأدرك أن في المهجر عناصر لها مكانتها الرفيعة في اللغة والأدب والشعر، وأن أمثالها قليل في أي قطر من الأقطار العربية. لست مفاخراً ولا مغرقاً فسأورد لكم بعد قليل أمثلة من نتاج أدبائنا المغموطين ولكم أن تتخذوا منها حجة لي أو علي
تقلب الأدب العربي في البرازيل بين مد وجزر، وتنازعته عوامل البقاء والفناء مراراً، ولد