للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فقيراً بين حفنة من البشر نزحت عن وطنها طلباً للرزق، ودرج هزيلاً لسوء غذائه المادي والأدبي، وشب نشيطاً يجري في عروقه دم استمده من قافلة أدبية جديدة لحقت بالقافلة الأولى، وتعطف عليه بيئة ارتفع مستواها العقلي وباتت تتذوق الأدب وتقبل على جيده. أما اليوم فقد دخل في طور كهولته فأينعت ثماره وطاب شرابه. عندنا اللغوي المدقق، والشاعر المنطلق في أجواء الإيداع، والمنشئ الناصع الديباجة، والكاتب الذي يجمع بين روعة الأسلوب وعمق التفكير

وعندنا المدارس التي تعلم العربية وقد طالما أخرجت الألوف من نشئنا وعلى ألسنتهم لغة قحطان، وفي قلوبهم صبوة لوطن آبائهم، وعندنا الأندية التي ما برحت سوقاً يتبارى فيها فرسان الشعر والأدب. ما انطوى علم من أعلام الأدب أو الوطنية إلا مجدت ذكراه بمهرجان أدبي. وفي تلك الأندية شهر فضل محمد عبدو، وفرح أنطون، وسليمان البستاني، ومصطفى المنفلوطي، والحسين، وفيصل، وعبد الله البستاني، وفوزي المعلوف، وجبران، ورشيد أيوب، والريحاني، ورشيد نخلة، وميشال المعلوف، ونعمة يافث، وشكري الخوري، وعقل الجر وغيرهم ممن تفوتني أسماؤهم. أما الحفلة الكبرى التي أقامتها العصبة الأندلسية لذكرى المتنبي الألفية فقد بزَّت بروعتها وبما قيل فيها من الشعر كل ما ألقى في الحفلات الأخرى، ولقد حلق شعراؤنا في سماء الإبداع حتى جاوروا شاعر العرب الأكبر.

أما الصحف العربية التي ظهرت في البرازيل منذ بدء الهجرة حتى يومنا فتجاوز الخمسين، وقد بلغ عددها قبيل الحرب العالمية نحواً من خمس وعشرين صحيفة بين مجلة وجريدة لم يبق منها إلا مجلتان وثلاث جرائد.

لم تكن الصحافة العربية في المهجر إلا مدارس نقالة تحمل إلى قومنا الثقافة والأدب، ورسولاً ينقل إليهم أخبار أوطانهم وذويهم، وبوقاً يذيع مآثرهم، وصديقاً يواسيهم في أتراحهم ويشاركهم في أفراحهم ومعلماً يلقنهم القراءة والكتابة.

بيد أن ظهور العصبة الأندلسية كان أكبر أثر أدبي في تاريخ الأدب العربي بالبرازيل. ففي عام ١٩٣٣ وقد استفحلت فوضى الأقلام، شعر نفر من أدبائنا على رأسهم الطيب الذكر ميشال بك معلوف بافتقارهم إلى رابطة تجمع شملهم وتصون أدبهم فتنادوا وتعاقدوا وأجمعوا على إنشاء مؤسسة أدبية دعوها العصبة الأندلسية تيمناً بالعصر الأندلس الزاهر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>