العصبة الأندلسية يوسف البعيني وعنوانها (اختراع الشيطان):
(تقاسم الله والشيطان هذا العالم فكانت حصة الله الأفلاك، وحصة الشيطان العالم الموبوء بالمعاصي والشرور والذي لا ينبت إلا العوسج ولا يلد سوى الأفاعي والغيلان. وخرج الشيطان مرة من وكره الناغل بالعفاريت وصعد إلى السماء حيث يرتكز عرش الآلهة. وفيما هو يتهادى مخلوباً بمناظر النعيم شاهد حواء مستلقية بجسمها العاري في ضوء القمر فحسبها في أول الأمر قطعة من المرمر الشفاف. ولكنه دهش إذ علم أن صاحب هذا الهيكل البض امرأة تتمشى في أعضائها حرارة مبهمة - هي حرارة كل كائن حي.
وما كاد يفكر قليلاً حتى تجسدت في مخيلته صورة اختراعه الفذ فاقترب من حواء وسكب في فمها الوردي الجميل كأساً من السم. عند ذاك تبسم بخبث ودهاء ومضى مسروراً لأنه اخترع قبلة المرأة!. . .)
ولا أزيدكم، ففيما أوردت كفاية للدلالة على بدائع الأدب البرازيلي
وقعت أخيراً على بحث لأحدهم في أدب المهجر عزا فيه روح التجدد إلى أدباء الشمال يوم كان جبران يتزعمهم، واتهم إخوان العصبة الأندلسية بالمحافظة على الأساليب القديمة. أقول إذا كان جبران وبعض إخوان الرابطة القلمية قد فتحوا بتفكيرهم جواء جديدة فهذا لا يعني أن كل أديب في أميركا الشمالية بلغ شأوهم، أو أن أدباء العصبة محافظون لأنهم لم يسبحوا في تلك الجواء. أما إذا كان المراد من الأساليب القديمة الصيغة اللفظية والمحافظة على ضوابط اللغة فليس في ذلك موضع للغمز واللمز. ألم يخلق جواً حديداً فوزي المعلوف في بساط ريحه، وأخوه شفيق في عبقره، والشاعر القروي في حضن الأم؟ أما إذا كان التفكير الجديد يقتضي أسلوباً جديداً، والأسلوب الجديد يقتضي خروجاً على اللغة وبلبلة في التركيب ورطانة في التعبير، فلست مبرئاً إخواني من التهمة بل أعلن على رؤوس الأشهاد أنهم محافظون أكثر من تشرشل وأعوانه.
ثم لا أدري ماذا يقصد بعضهم بالتجدد وقصة التجدد طويلة عالجتها الأقلام وتناولتها مساجلات عنيفة بين مقدسي الأدب القديم، ومحقري تراث الغابرين. وكلا الرأيين في شرعي مغال، فليس في الأدب قديم ولا حديث، وإنما فيه جيد وسقط، والجيد يظل جيداً مهما قدم، والسقط لا قيمة له سواء كان قديماً أو حديثاً. بعد ألف عام ما ننفك نطأطأ الرأس