للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(الكونياك) فقلت:

- شكرا. ليس لدي من الوقت ما يتسع لذلك.

وسرت نحو الباب، فظهرت من الفتاة حركة تدل على أنها تود أن تخرج معي حتى الباب تودعني. لكنها لم تجسر على ذلك في بادئ الأمر، ثم أقدمت عليه وسارت ورائي. بقى والدها في غرفته يضحك ضحكا عاليا كأنه يعلن به ما قاله أولا: (يظهر أن الآنسة وقعت من نفسك!!)

تبعتني الفتاة حتى باب الدار وقلت بصوت وتخنقه العبرات:

- سيدي. . .

ثم اضطربت ولم تستطع أن تتم جملتها.

حينذاك أخذت يدها وهي في القفاز بكلتا يدي، وشددت عليها مظهرا ألمي على تلك الزهرة الناضرة التي نبتت في ذلك المكان الملوث، وحكم عليها أن تعيش فيه عيشة حقارة ومهانة وقلت لها:

- أيتها الآنسة: اكرر لك جملتي السابقة وأقول. إن الصبر أقوى ما يعتمد عليه المرء في طريق الحياة. لا أظن أننا نلتقي مرة أخرى، ولكن كوني على ثقة أنني دائما سأتمنى لك من صميم قلبي السعادة والهناء.

فانحدرت من عينيهادمعتان كبيرتان وسالتا على خديها ثم استقرتا على صدرها، أعلنت بهما شكرها لي.

ففررت من ذلك المحل، وكنت وأنا انزل الدرج أقول في نفسي:

(لقد وعدتها أن أتمنى لها دائما السعادة، ولكن أين منها السعادة؟!).

لعمري لو رايتها حين يبدي الربيع نواره، وينثر على بسط الزبرجد أزهاره، على عربة من تلك العربات الضخمة، التي يركبها صائدات القلوب وسالبات الجيوب وهي متجهة نحو (شيشلي) حيث تموت الفضيلة، وتحيا الرذيلة، تسلم على أحبابها بابتسامات غريبة وإشارات مريبة، لم اعجب لذلك بعد الذي رأيت من حالها مع أبيها.

ما أتعس تلك الفتاة الصغيرة! إنها بين شقاء ين: شقاء الحاضر بابيها المختبل، وشقاء المستقبل بشرفها المبتذل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>