للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كنت وأنا اسرد له القصة، انظر إلى تلك السحنة البلهاء تارة، والى غرفته أخرى. كان غائر العينين بارز عظام الخدين قد رجل شعره بدهن اللوز ليلمع، وعلى وجهه مسحة شباب ميت قد أقامت ذلك الهرم المتصابي بقوة العلاج الذي كان يستعمله.

وكانت الغرفة قذرة ما تحويه هذه الكلمة من معنى، وكان كل ما فيها عبارة عن كراسي عتيقة مكسرة، ومنضدة صغيرة كمناضد المقاهي عليها مشمع اسود اللون، وزجاجات خمر ونبيذ فارغات، وصحون قذرة، ومصباح قد طار من زجاجة قطعة فجعل مكانها ورقة سيجارة وينشر ضياء ضئيلا كأنه أنين باك موجع، وفيها فراش إن صح أن يسمي مثله فراشا، حولت نظري المتألم عن كل هذه الأشياء وقلت له:

- لقد جئت بالآنسة إلى هنا وهاأنذا أسلمها إليك.

فلما سمع مني تلك الكلمة ظهر ما لم يكن في الحسبان: ذلك أن والد تلك الفتاة المسكينة السكير البغيض الذي أبتدأ حياته أجيرا في أماكن الريب في (غلطه) أمضى قسما منهما في مرقص أنشأه بنفسه، تقدم مني مشيرا إلى فتاته الطاهرة التي كانت تنتظر النتيجة، وقد تجلت عليه تماما إمارات البلة وقال:

- لقد ظهرت الحقيقة أيها السيد. . .

- ثم اقترب مني وقال وهو ينظر إلى نظرة مرتاب:

- يظهر أن الآنسة قد وقعت من نفسك. . .

فأدركت سوء نية ذلك الرجل. كم كانت يدي في تلك الدقيقة تود أن تصفع ذلك السكير! حولت نظري إلى ابنته فوجدت وجهها قد علاه الاحمرار، لأنها أدركت غاية والدها.

لله أنت أيتها المعلمة الصغيرة! أيتها المخلوقة التي تشتغلين من الصباح حتى المساء لإشباعوالدك، هل أنت حقا ابنة ذلك الرجل؟!

حولت وجهها عني فلم اشك أنها في تلك الدقيقة كانت تود لألمها من تلك المهانة التي لحقها في عصمتها وعفتها، والجرح الذي أصابها في كرامتها، أن تهرب من بين يدي وتذهب إلى حيث لا أراها فتبكي. . . وتبكي. . .

لم اجبه بشي ما، إن الرجل كان لا يزال ينظر إلى نظرة المرتاب، فأدركت أن من الواجب البعد عن ذلك المكان. وكأنه أدرك ما دار في خلدي، فعرض علي مستهزئا كأسا من

<<  <  ج:
ص:  >  >>