للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يستطيع أن يرد الطعنة طعنات، وأن يدرأ عن صاحبه تلك الحملات الظالمة التي لا تستند إلى شرعة من إنصاف ولا إلى مسكة من ضمير، فلم لا ترفع معول الهدم لتهوى به على الأصنام، ولم لا تشق طريقك على أشلاء الجثث المحنطة في توابيت الأدب؟!

وتزداد أنت صمتاً وأزداد أنا ثورة، لأنني أريد لك ولكل إنسان ناجح أن يتخذ شعاره من هذه الكلمات التي نطق بها نيتشه: (حطم كل مألوف يعترض طريقك)!

ومع ذلك، فقد مضيت في طريقك لا تكاد تصغي إلى هذا الصوت الثائر الذي يهيب بك أن تلقى العنف بالعنف، ولا إلى تلك الصيحات المنكرة التي كانت تتجاوب من حولك كلما قطعت مرحلة من مراحل الطريق. . . لقد كانت البسمة على شفتيك وليدة الثقة، وكان الصبر بين جنبيك ضريبة الإيمان! وبهذين السلاحين النادرين استطعت أن تبلغ الغاية التي كنت أرجوها لك. . . صدقني إن الدموع التي اضطربت في قلبي قبل أن تندفع إلى عينيَّ، كانت صدى صادقاً لهذا الفصل الرائع الذي ختمت به (سراب)، وكانت - فوق ذلك - انعكاساً مباشراً لتلك الأضواء التي غمرت جوانب نفسي وأنا أراك تجني ثمار الصبر والجهد والأيام المضنية!

لقد كنت آخذ عليك أحياناً ضعف النبض المنبثق من قلب الحياة خفاقاً على صفحات فنك، وكنت آخذ عليك أحياناً أخرى عدم العناية بوضع التصميم الفني الكامل قبل رص اللبنات الأولى في بناء القصة. . . وكأنك كنت تحشد تجاربك كلها وتشحذ أسلحتك كلها لهذه المعركة الفنية التي انتصرت فيها على وخزات النقد، وإذا (سراب) قصة تصور في جلاء مراحل هذه المعركة قبل أن تصور في صدق حياة الجبل في لبنان. . . قصة تروي لقرائها قصة أخرى، خير ما فيها أنك قد رسمت خط الاتجاه التفكيري في صبر وأناة، فبدوت ثابت القدم إلى حد بعيد. . . هذه واحدة، أما الثانية، فهي اكتمال التصميم الفني قبل الشروع في البناء، ومن هنا ظهرت كل طبقة من طبقات القصة وهي في مكانها الذي حددته المقاييس، وتبقى بعد ذلك هذه الإنسانية التي تترجم في صدق عن لغة الشعور، وتلك الواقعية التي تنقل في أمانة عن لغة الحياة!

ولقد كنت أود أن أقدم للقراء تلخيصاً كاملاً لقصتك ولكنني عدت أخيراً فأحجمت. . . أحجمت لأن التلخيص سيظلم (سراب) الطويلة كل الظلم، وأنا لا أحب أن أظلم هذه القصة

<<  <  ج:
ص:  >  >>