للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجلسنا في أحد مقاهي مصر الجديدة، والأنوار في ألوانها المختلفة تخلق لنا في آفاق مخيلتنا عوالم غريبة. . . والجو الساجي يرهق أعصابنا، والنسيم المنبعث من وراء الأشجار الخضر نديُّ كأنه يداعب أحلامنا، ويشرق في عالمنا بأطياف جميلة. . . ومن خلف عالمنا السحري تتألق النجوم من بعيد كأنها أشباح لدينا مسحورة مختفية في ضمير الأبد.

جلست إليها وهي أمامي ساحرة مشرقة القسمات، وجفناها مسبلان بدلال على عينيها السوداوين، وأنا أرتشف من كؤوس نشوتي. . . ولاحت لي الأيام الماضية طلولا ينعق فيها غراب الوحدة، وتصرخ في جنباتها ريح اليأس المرير. . . وحرقت ذكرياتي كلها في نار وجدي، وهمت في الأجواء البعيدة التي تخلقها حواء. . . أنا المحروم من. . . العائش في ضباب، المسحور بتهاويل الأحلام.

وطال صمتنا ونطقت حواء أخيراً:

- ما بالك يا صاحبي ساهماً كأنك تفكر في المستحيل؟

ولمعت عيناها، ووقفت أمام سؤالها حائراً. . . وأردت أن أصرخ في وجهها:

- أقسم لك إنها هذا حق. . . فأنا في رحاب المستحيل.

ولكنني آثرت الصمت، وانطلقت من شفتي ابتسامة هاربة كأنها جواب مبهم.

قالت: - إن الشباب دائماً يفكر في المستحيل. . . أتخالفني بعيدة عن عالمك الغامض؟

- ولكن أية قوة قادتك إلى تلك الأبراج الشاهقة؟!

- القوة التي تدفع الشباب إلى المستحيل. . . ولكن لست أدري لم يهيم الشباب بالمستحيل؟

- لأنه كثير الآمال. . . وكل أمل يخبو يزيد حياته ظلمة، وينقلب في سفر أيامه إلى ذكرى إخفاق. . . مؤلم.

الآن بدأت أعرف لم يلف عمري سحاب من الأحزان. . . إن أشياء كثيرة تحزنني هي جراح أحلامي. . . إن عمري يذبل من غير غاية. . . فأنا الآن في العشرين من عمري ولم يتحقق حلمي الجميل.

وأشفقت على حلمها الجميل الذي لم يتحقق وشعرت بيد من حديد تصهر قلبي وأردت أن أقول لها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>