مصدر واحد حينما يتحدثون عن توجه الأمير بدر الدين (بيدار) قائد السلطنة بمصر ومعه العساكر المصرية وصحبته أمراء الجند يقصد جبال كسروان في شهر شعبان سنة ٦٩١ (١٢٠٢) ميلادية. وإنما اكتفى بالنوبات التي جاءت بعد ذلك وأولها الحملة التي قام بها جمال الدين آقوش الأفرم نائب الشام في عهد الملك ناصر محمد. آقوش هذا ترجم له صاحب الدرر الكامنة فقال عنه (آقش الأفرم الجركسي كان من مماليك المنصور (قلاوون) ذكر عنه أنه التمس من أستاذه ولاية الشام فأجابه السلطان (ما هو في أيامي) وذكر صاحب الدرر نقلاً عن ابن فضل الله العمري: إن الأفرم كان يتردد على فقير مغربي بالقرافة في مصر فقال له الفقير: (ماذا تعطيني إذا صرت يوماً نائب السلطنة بالشام، فقال الأفرم (ومن أنا حتى تسند إلى نيابة الشام) قال الفقير: لابد في ذلك وإذا حصل هذا تصدق بألفي درهم عند السيدة نفيسة وبألف عند الإمام الشافعي.
وذكر الأفرم أنه نسى كل هذا وفي يوم من الأيام وقد عاد هارباً من حروب غازان ملك التتار بعد نوبته الأولى وفتحه دمشق وصل القاهرة، وبينما هو يتجول بالقرافة تذكر قول المغربي فأحضر الدراهم وفرقها في الموضعين. ويقول صاحب الدرر (كان الأفرم فارساً بطلاً عاقلا جواداً يحب الصيد وكان خليقاً للملك لما فيه من المهابة والحماية، وكان خيراً عديم الشر والأذى يكره الظلم ولم يحفظ أنه سفك دم أحد ولا لوجه شرعي، وكان يعاشر أهل العلم كابن الوكيل وكان لأهل دمشق فيه محبة مفرطة ومدحه جماعة من الشعراء). أما هو فبلغ تلهفه على دمشق وأهلها مبلغاً جعله يقول (لولا القصر الأبيض (الأبلق) والميدان الأخضر ما خليت بيبرس وسلار ينفردان بمملكة مصر). وهما مكانان بدمشق
ولذا أقام بدمشق إحدى عشر عاماً وأنشأ بها جامعه المشهور سنة ٧٠٦ الذي تولى الخطابة فيه قاضي القضاة شمس الدين محمد بن عطاء العو الاوزعي الحنفي.
ويعجبني في الأفرم هذا الود لمدينة دمشق وهذه المنزلة التي أوجدها لنفسه هناك حينما تولى نيابة السلطنة عن مصر في ربوع الشام وما تم على أيديه من عظائم الأمور.
ذكر صاحب البداية والنهاية أنه عقب انكسار التتار وأخلائهم لدمشق حدث: في يوم الجمعة ١٧ رجب ٦٩٩ أعيدت الخطبة بدمشق لصاحب مصر. وفي يوم السبت ١٨ رجب ٦٩٩ نودي بأن تزين البلد لقدوم العساكر المصرية وفي يوم الأحد ١٩ رجب ٦٩٩ فتح باب