في قوانينها. وهل ضاعت امرأة إلا من غفلة رجل أو قسوته أو فسولته أو فجوره؟
قال المهندس: فإني أعلم الآن - وكنت أعلم - أن لا صلاح لي إلا بالزواج، وان طريقي إلى الزوجة هو كذلك طريقي إلى فضيلتي والى عقلي. وتالله ما شيءٌ أسوأ عند العزب ولا أكره إليه من بقائه عزباً غير أنه يكابر في المماراة كلما تحاقرت إليه نفسه، وكلما رأي أن له حالاً ينفرد بها في سخط الله وسخط الإنسانية. ولا مَكْذِبة، فقد والله أنفقتُ في رذائلي ما يجتمع منه مهر زوجةَ سريّة تشتطّ في المهر وتغلو في الطلب؛ ولكن كيف بي الآن وما جبَرني من قبلُ إصلاحٌ، ولا أعانني اقتصاد، ومن لي بفتاة من طبقتي بمهر لا أتحمل منه رهَقاً، ولا تتقاصر معه أموري، ولا تختل معيشتي؟
قلت: فإذا لم يحملك الحمار من القاهرة إلى الاسكندرية؛ فانه يحملك إلى قليوب أو طوخ. وفي النساء إسكندرية، وفيهن شبرا، وقليوب، وطوخ، وما قرب وبَعد؛ وما رخص وغلا.
قال: ولكن بلدي إسكندرية. . .
قلت: ولكنك لا تملك إلا حماراً. . . وللمرأة من كل طبقة سِعْرها في هذا الاجتماع الفاسد؛ ولو تعاون الناس وصلحوا وأدركوا الحقيقة كما هي، لَمَا رأينا الزواج من فقر المهور كأنما يركب سلحفاة يمشي بها. . . ونحن في عصر القطار والطيارة، وقد كان هذا الزواج على عهد أجدادنا في عصر الحمار والجمل - كأنه وحدة من السرعة في طيارة أو قطار.
حين يفسد الناس لا يكون الاعتبار فيهم إلا بالمال؛ إذ تنزل قيمتهم الإنسانية ويبقى المال وحده هو الصالح الذي لا تتغير قيمته. فإذا صلحوا كان الاعتبار فيهم بأخلاقهم ونفوسهم؛ إذ تنحطَّ قيمة المال في الاعتبار، فلا يغلب على الأخلاق ولا يسخرها. والى هذا أشار النبي (صلى الله عليه وسلم) في قوله لطالب الزواج: (التمس ولو خاتماً من حديد.) يريد بذلك نَفى المادَّية عن الزواج، وإحياء الروحية فيه، وإقرارَه في معانيه الاجتماعية الدقيقة. وكأنما يقول: إن كفاية الرجل في أشياء أن يكن منها المال فهو أقلها وآخرها، حتى إن الأخسّ الأقلّ فيه ليُجْزئ منه كخاتم الحديد؛ إذ الرجل هو الرجولة بعظمتها وجلالها وقوّتها وطباعها، ولن يُجْزِئ منه الأقلُّ ولا الأخسّ مع المال، وإن ملء الأرض ذهباً لا يُكَمّل للمرأةِ رجلاً ناقصاً؛ وهل تُتِمُّ الأسنان الذهبيةُ اللامعة يحملها الرجل الهرم في فمه شيئاً مما ذهب منه؟ وما عسى أن تصنعِ قُواطعُ الذهب الخالص وطواحُنه لهذا المسكين بعد أن نطق