قلت: فهذه هي خسّة الفرديّة ودناءتُها الوحشية في جنايتها على أهلها، وسوءِ أثرها في طباعهم وعزائمهم؛ فهي فرديّة تضرب فيهم العاطفةَ الاجتماعية ضرْب التلف، وتبتليهم بالخوف من التبعات حتى ليتوهم أحدهم أنه إن تزوج لم يدخل على امرأة، ولكن على معركة. وهي تصيبهم بالقسوة والغلظة؛ فما دام الواحد منهم واحداً لنفسه، فهو في تصريف حكم الأثرة، وفي قانون الفتنة بأهواء النفس ومنافعها؛ كأنما يعامله الناس رجلاً كلُّه مَعِدَة، أو هو فيهم قوة هضم ليس غير.
قال: ولكن الزواج عندنا حظّ مخبوء (لوتريّة) والنساء كأوراق السحب، منهن ورقة هي التوفيق والغنى بين آلاف هن الفقر والخيبة المحقّقة.
قلت: هل اعتدت أن تتكلم وأنت نائم؟ فلعلك الآن في نومة عقل، أولا فأنت الآن في غفلة عقل.
إن هذا المسكين الذي يمسح الأحذية ويشتري من تلك الأوراق لا يخلو منها - يعلم علماً أكثر من اليقين أن عيشه هو من مسح الأحذية لا من الأخيلة التي في هذه الأوراق؛ فهو لا يعتدّ بها في كبير أمرِ ولا صغيرِه، وما يُنزِلها في حساب رغيفه وثوبه إلا يوم يُخالطُ في عقله فيتنزّه أن يمسح أحذية الناس، ويرى أن عظيماً مثله لا يمسح إلا أحذية الملائكة. . .
أنت يا هذا مهندس، ولك بعض الشأن وبعض المنزلة، فَهَبْك ارتأيت أنه لا يحسن بك أو لا يَحْسُنُ لك إلا أن تتزوج بنت ملك من الملوك، فهذه وحدها هي عندك (النمرة الرابحة) وسائر النساء فقر وخيبة ما دام الأمر رأيك وهواك؛ غير أنك إذا عَرضْت لتلك (النمرة الرابحة) لم تعرفك هي إلا صعلوكاً في الصعاليك وأحمق بين الحمقى.
إن تلك الأوراق تُصْنع صنعتَها على أن تكون جملتُها خاسرة إلا عدداً قليلا منها؛ فإذا تعاطيتَ شراءها فأنت على هذا الأصل تأخذها، وبهذا الشرط تبذل فيها؛ وما تمتري أنت ولا غيرك أن القاعدة هاهنا هي الخيبة، وشذوذها هو الربح؛ وليس في الاحتمال غير ذلك؛ ومن ثمّ فقد بريء إليك الحظُّ إن لم يصبك شيءٌ منه، وأين هذا وأين النساء، وما منهن واحد إلا وفيها منفعة تكثر أو تقل، بل الرجال للنساء هم أوراق السحب في اعتبارات كثيرة، مادامت طبيعة اتصالهما تجعل المرأة هي في قوانين الرجل أكثر مما تجعل الرجلَ