قلت: فان عملك في الحكومة يُغِلّ عليك في السنة مائة وثمانين ديناراً فِلمَ لا تعيش سنة واحدة بثمانين فتقع المعجزة؟
قال:(بكل أسف) لا يستطيع الرجل العزب أن يدخر أبداً؛ فهو في كل شيء مبدَّد ضائع متفرق.
قلت: فهذه شهادتك على نفسك بالسفه والخرق والتبذير؛ تنفق ما يكفي عدداً وتضيق بواحدة، وماذا يرتئي مثلك في الحياة؟ أعند نفسه وفي يقينه أن يتأبّد فيبقى عزباً فهو ينفق ما جمع في شهوات حياته، ويتوّسع فيها ضروباً وألواناً، ليكون وهو فرد كأنه وهو في إنفاقه جماعة، كل منهم في موضع رذيلة أو مكان لهو؛ وكأن منه رجالاً هو كاسبهم وعائلهم، ينفق على هذا في القهوة، وعلى هذا في الحانة، وعلى ذلك في الملاهي، وعلى الرابع في المواخير، وعلى الخامس في المستشفى. . .؟ إن كان هذا هو أصل الرأي عند العزب، فالعزب سفيه مجرم، وهو إنسان خرب من كل جهة إنسانية، وهو في الحقيقة ليس المتّسِعَ لنفقات خمسة، بل كأنه قاتل خمس من أبناء وطنه؛ إذ كان بهذا مطيقاً أن يكون أبا ينفق على أبنائه، لا سفيهاً ينفق على شياطينه.
فان كان قد بنى رأيه على أن يتعزّب مدة ثم يتأهل، فهذا أحرى أن يعينه على حسن التدبير، وهو مَضْراةٌ له على شهوة الجمع والادخار؛ إذ يكون عند نفسه كأنما يكدح لعياله وهو في سعة منهم بعدُ، وهم لا يزالون في صُلبه على الحال التي لا يسألونه فيها شيئاً إلا أخلاقاً طيبة وهمماً وعزائم يرثونها من دمه فتجيء معهم إلى الدنيا متى جاءوا.
إنما العزب أحد رجلين: رجلٍ قد خرج على وطنه وقومه وفضائلِ الإنسانية، قاعدته: جُرَّ الحبل ما انجرَّ لك. وهذا داعر فاسق، مبذر متلافٌ إن كان من المياسير؛ أو مُرِيب دنيء حقير النفس إن كان من غيرهم - ورجلٍ غير ذلك، فهو وثاق الضرورة إلى أن تُطْلِقَه الأسباب، ومن ثم فهو يعمل أبداً للأسباب التي تُطْلقه، ويعرف أنه وإن لم يكن آهلاً فلا تزال ذمته في حق زوجة سيعولها، وفي حقوق أطفال يأبوهم، وواجبات وطن يخدمه بإنشاء هذه الناحية الصغيرة من وجوده، والقيام على سياستها، والنهوض بأعبائها. فانظر ويحك أيّ الرجلين أنت؟
قال: فتريدني أن أقامر بتعب سنة وأنا بعد ذلك وما يُقْدِرُ لي، وقد أشتري بتعب سنة من