وقع في الآية الكريمة (إياك نعبد وإياك نستعين). فقد رَوَوا أن إمام قرية من القرى في الزمن القديم كان يخطب أهل قريته ويصلي بهم في مسجدها، فنزل به ضيف من العلماء فقال له الخطيب: إن لي مسائل في الدين لم يتوجّه لي وجهُ الحق فيها، ولا أزال متحّير الرأي، وكنت من زمن أتمنى أن ألقى بها الأئمة فأريد أن أسألك عنها. قال العالم: سَلْ ما أحببت.
قال الخطيب: أشْكَلَ عليَّ في القرآن بعضُ مواضع، منها في سورة الحمد (إياك نعبد وإياك). . . أيّ شيء بعده. (تسعين، أو سبعين). . .؟ أشكَلَتْ عليَّ هذه فأنا أقرأها: تسعين. أخذاً بالاحتياط. . .!
كذلك مهندسنا فيما أشكل عليه من حسابه للحياة، فهو عَزَب أخذاً بالاحتياط. قال وهو يحاورني: -
كيف تُكَلّفني الزواج وتُكرِهني عليه، وتَعنِّفني على العزوبة وتعيبني بها؛ وإنما أنت كالذي يقول: دع الممكن وخذ المستحيل. إن استحالة الزواج هي جعلتْني عَزَباً، والعزوبة هي جعلتني فاسداً، وفي هذا الجو الفاسد من حياة الشباب إما أن تكسد الفتاة، وإما أن تتصل بها العَدْوَى. والعزب لا يأبى أن يقال فيه إنه للنساء طاعون أحمر أو هواء أصفر، فهو والله مع ذلك موت أسود وبلاء أزرق.
قلت: لقد هوَّلت عليّ؛ فما مستحيُلك ياهذا، ولِمَ استحال عليك ما أمكن غيرَك، وكيف بلغت مصر خمسة عشر مليوناً؟ أمِنْ غير آباء خُلِقوا، أم زُرِعوا زرعاً في أرض الحكومة؟ أسمع - ويحك - ألا يكون الرجال قد أقبلوا وتراجَعْت، وتجلدوا وتوَّجعْت، أو أقْدَموا وخنسْت، واسترجلوا وتأنَّثْت؟
قال: ليس شيء من هذا.
قلت: فان المسألة هي كيف ترى الفكرة، لا الفكرةُ نفسها، فما حملك على العزوبة وأنت موظف وظيفتك كذا وكذا ديناراً، وأنت مهندس يصدق عليك ما قالوه في الرجل المجدود: لو عَمِد إلى حَجرٍ لانفلق له عن رزق.
قال: أليس مستحيلاً ثُمّ مستحيلاً أن يجمع مثِلي يده على مائة جنيه يدفعها مهراً؛ وما طرقت - علم الله - بابا إلا استقبلوني بما معناه: هل أنت معجزة مالية، هل أنت مائة جنيه؟