للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التي دعيت إلى دخول العصبة منذ إنشائها، وقد انضمت إليها غير بعيد، وإما تركيا فقد كانت من أمم الأعداء، وكان مقضياً عليها بالتمزيق والإعدام، وكانت أفغانستان تخوض يومئذ حرب الحرية مع الإنكليز. وأما العراق وسوريا وفلسطين، فقد كانت من ضحايا الانتداب الذي ابتدع لتوزيع أسلاب الدولة العثمانية الذاهبة على الحلفاء. وكانت مصر ضحية الحماية الإنكليزية التي أعلنت عليها قسراً أيام الحرب، وكانت تضطرم بثورتها التحريرية التي انتهت بعد ذلك بعامين بإلغاء إنكلترا للحماية وإعلان استقلال مصر من الوجهة النظرية. والواقع أنه لم يكن للشرق في العصبة عند قيامها سوى صوت قوي واحد هو صوت اليابان. ولكن اليابان كانت من دول الحلفاء، وكان دخولها في العصبة لتأييد نفس المبادئ وتحقيق نفس الغايات التي تؤيد وتعمل على تحقيقها الدول الغربية، وكان لها نصيبها من أسلاب الحرب، ولم تكن في سياستها الاستعمارية أقل شرهاً من إنكلترا أو فرنسا. وأما الصين فقد كانت تتخبط في غمار الحرب الأهلية، وكان تمثيلها في العصبة على يد وحدة صغيرة فيها هي جمهورية كنتون الناشئة. وأما الهند فقد دخلت باعتبارها من الأملاك البريطانية لتشد إلى جانب استراليا وكندا وجنوب أفريقية أزر بريطانيا العظمى في سياستها ومشاريعها داخل العصبة. ودستور العصبة يجيز دخول الأملاك المستقلة والمستعمرات الحرة. وأما الحجاز فلم تكن لها يومئذ أية أهمية سياسية أو دولية، ولم يكن مثولها في مؤتمر الصلح، ودخولها في العصبة إلا ضرباً من المجاملة النظرية.

كانت عصبة الأمم منذ قيامها إذاً هيئة غربية في روحها وفي جوهرها، ولم تكن تمثل من الوجهة العملية شيئاً من المبادئ الرنانة التي أعلنها الرئيس ولسون في ختام الحروب، والتي أريد أن تكون قاعدة لعقد الصلح الحر بين الأمم المتحاربة وقيام عصبة حرة من الأمم تعمل على تخليد مبادئ الحرية والعدالة والوئام فيما بينها، ومع ذلك فقد بعثت مبادئ الرئيس ولسون المتعلقة بحريات الأمم ومصير الشعوب في بعض الأمم المغلوبة شيئاً من الأمل، وكان مفروضاً أن ذلك الهيكل الجديد الذي أقيم ليعاون في تطبيق هذه المبادئ الخالدة - أعني عصبة الأمم - سيكون بالفعل سنداً للأمم الشرقية في جهادها في سبيل الحرية والاستقلال، ولكن ذلك الأمل كان وهماً، وجاءت عصبة الأمم بالعكس لتقر من المبادئ والأساليب إزاء بعض الأمم الشرقية ما يخالف كل عدالة وكل حق وكل عهد

<<  <  ج:
ص:  >  >>