للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مقطوع. ونذكر بهذه المناسبة أن الوفد المصري برئاسة المغفور له سعد زغلول باشا كان يوم وضع معاهد الصلح في باريس يعمل في سبيل القضية المصرية، وقد احتج عبثاً على نصوص معاهد الصلح التي تمس مصر، والتي تقر حماية إنكلترا المفروضة عليها رغم إرادتها؛ ونذكر أيضاً أن سعد باشا أرسل إلى الرئيس ولسون يرجوه باسم مبادئه مقابلة يبسط له فيها ظروف القضية المصرية، فلم يجبه الرئيس ولسون إلى هذا الرجاء. وكانت أول خطوة عملية اتخذتها عصبة الأمم لتأييد الاعتداء الواقع على الأمم العربية هو أنها أقرت نظام الانتداب الذي وضعه الحلفاء لتقسيم البلاد العربية وحكمها رغم العهود الصريحة التي قطعت خلال الحرب بمعاهدات ووثائق رسمية، فأقرت الانتداب على سوريا لفرنسا؛ وأقرت انتداب إنكلترا على فلسطين وشرق الأردن والعراق. وأقرت عهد بلفور وما ترتب عليه من إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين؛ ولم تحاول العصبة أن تتدخل يوم قسم الحلفاء تركيا إلى مناطق ودفعوا اليونان لاحتلال أزميرا والتوغل في قلب الأناضول؛ ولما وقع الخلاف بين تركيا وإنكلترا على مسألة الموصل واتفقنا على رفع الأمر إلى عصبة الأمم، كان موقف العصبة مريباً ظاهر التحيز؛ وكثيراً ما حاولت الأمم العربية أن تتقدم إلى العصبة بالشكوى من نظام الانتداب وما يرتكب في ظله من ضروب الجور والتعسف، فلم تفز منها بالإصغاء قط؛ ولم تكن لجنة الانتدابات الدائمة بالعصبة إلا سيف المستعمر الشرعي مصلتاً على رقاب الأمم الواقعة تحت الانتداب.

هكذا كان موقف عصبة الأمم الشرقية المغلوبة منذ البداية. وقد أثبتت العصبة خلال أعوامها الأربع عشرة أنها غير أهل لتحقيق شيء من المبادئ والمهام العظيمة، التي عهد إليها بالعمل على تحقيقها. وأسطع مثل لذلك موقفها إزاء مسألة تخفيض السلاح، وعجزها المطبق عن أن تحقق شيئاً في هذا السبيل، لأن تحقيقه لا يروق للدول المسيطرة على مجلس العصبة؛ وأسطع مثل لوقوع العصبة تحت نفوذ الدول القوية ووحي النزعة الاستعمارية، موقفها في مسألة منشوريا، التي ثارت منذ ثلاث أعوام بين اليابان والصين، وكلتاهما من أعضاء العصبة؛ فقد استغاثت الصين بالعصبة حين غزو اليابان لمنشوريا، فلبثت العصبة بين التردد والتمهل حتى تم استيلاء اليابان على منشوريا ولم تستطيع أن تتخذ أي إجراء حاسم تنوه فيه باعتداء اليابان على الأراضي الصينية، مع أنه قد نص في

<<  <  ج:
ص:  >  >>