السياسة بتلك النزعة العنصرية التي تنشد الغلبة والتفوق في مجال الفخر والمباهاة، ولو أنهم كانوا واقعيين لما تحدوا العالم كله في ميدان الحرب بتلك النزعة البروسية التي تتمثل أمجاد الماضي البعيد في مجال التطبيق على الحاضر المشهود!. . . ومن العجيب أن (لن يوتانج) قد منح الألمان ثلاث درجات لأنهم واقعيون، وهي نفس الدرجات التي وضعها في مواجهة الواقعية البريطانية!
بعد هذا ينتقل الأستاذ أحمد أمين بك إلى تطبيق هذه العناصر على المصريين منتهجاً نفس الخطة التي سار عليها (لن يوتانج) فيقول: (في نظري أن المصريين يغالون في الواقعية ويقصرون في المثالية، ومن أجل هذا يغلب عليهم احتذاء التقاليد والأوضاع القديمة، حتى التي كانت في عهد قدماء المصريين التزاماً للواقع).
يؤسفني أن أعقب على هذا الرأي فأقول: إن نظرة الأستاذ الفاضل إلى الواقعية تتنافى مع الأساس الذي تعارف عليه الناس ومع الأساس الذي وضعه (لن يوتانج) حين فسر الواقعية بأنها النظر إلى الوجود كما هو موجود، وعلى ضوء هذا التفسير المقبول لا يستقيم التطبيق الذي أورده الأستاذ أحمد أمين بك فيما يختص بالمصريين، فلو مال المصريون إلى الأخذ بأسباب الواقعية لنبذوا تلك النزعة الخيالية التي تدفع بهم إلى التمسح بأنقاض ماض يفصل بينهم وبينه آلاف السنين! ترى هل يمكننا أن نفسر احتذاء المصريين للتقاليد والأوضاع القديمة بأنه التزام للواقع كما يقول الأستاذ أحمد أمين بك؟ أغلب الظن أننا لا نستطيع أن نفسره إلا بأنه التزام للخيال.
ولقد أعجبت بمنطق الأستاذ أحمد أمين بك حين تناول عنصر المثالية في حياة المصريين بقوله:(. . وحتى الأدب والفنون عندهم تنقصها الأحلام والخيالات، ولذلك ضعفت القصة في أدبهم وكثرت الحكم، لأن الحكم واقعية والقصة خيالية.
والأدب المصري يسير سيراً تقليدياً، إما تقليداً للأدب العربي القديم أو للغربي الحديث، وقل فيه الابتكار، لأن الابتكار خلق والخلق يحتاج إلى تصميم والتصميم يحتاج إلى خيال أو مثالية. ولعل هذا هو شأن الشرق بأجمعه لا المصريين وحدهم، فإن صح هذا وجب على المصلحين أن يؤسسوا إصلاحهم وبرامجهم على الإقلال مما يسبب الواقعية والإكثار مما ينمي المثالية). ويلاحظ هنا أن الأستاذ أحمد أمين بك يدعو إلى الإقلال من الواقعية