يريد أن يكون ذلك (الإنسان الآلي) الذي يردد بعض الحروف والأرقام دون وعي أو إرادة، ومن هنا ضاق الأساتذة المصححون بتلك العقلية التي تنشد حرية الفكر واستقلال الرأي فحرم صاحبها درجة الامتياز!
هذه هي القضية، وهي ليست قضية هذا الطالب وحده فيما أظن ولكنها قضية الألوف من طلاب الجامعة، أولئك الذين يراد لهم أن يخرجوا إلى الحياة مزودين بأسلحة فكرية مفلولة لا تقرها النظم الجامعية في العالم. . . إن المفروض في التعليم الجامعي أنه مرحلة ينتقل فيها طالب المدارس الثانوية إلى آفاق علمية جديدة، جديدة في مناهج البحث وطرائق التفكير وحرية التناول العقلي لشتى المشكلات العلمية والأدبية والفنية. فإذا ألغينا كل هذه القيم ليكون الطلاب أبواقا للأساتذة فقد قضينا على المثل العليا الفكرية التي ينشدها كل نظام جامعي قويم!
نحن لا ننكر أن بين جدار الجامعة أساتذة ممتازين، ولا ننكر أيضاً أن بين تلك الجدران أساتذة يعلم الله اين يجب أن يكون مكانهم. . . ولقد قلنا من قبل إن العبرة ليست بما يحمل المرء في يده من شهادات ولكن بما يحمل في رأسه من ثقافات! وإذن فمن الظلم أن يحال بين الطالب المجتهد وبين حرية الرأي العلمي إذا أراد أن يجهر به، وبخاصة إذا كان يتلقى معلوماته من هذا الفريق الأخير. لقد كنا ننتظر أن يظفر مثل هذا الطالب المجتهد بتقدير أساتذته بدلاً من أن يبوء منهم بمثل هذا الخذلان، ولكن أساتذته غفر الله لهم قد نظروا إلى طبيعة عقليته الجامعية الأصيلة على أنها ضرب من الخروج على كرامة علمهم الغزير. . . وفي سبيل هذه الكرامة المزعومة تلغى الكرامة العقلية في حياة جيل جامعي ومن بعده أجيال.
لتكن الجامعة جامعة وإلا فلنعلن أننا ما زلنا نأخذ بنظام الكتاتيب. . . إن وجه الشبه بين طالب الجامعة اليوم وطالب الكتاب بالأمس أن طالب الكتاب كان يئن تحت عصا الأستاذ إذا نسي منطق الترديد أو انحرف لسانه عن طريقة الببغاوات، وأن طالب الجامعة يقف اليوم نفس الموقف وإن كان بلوغه مبلغ الرجال قد صرف عنه العصا وأحل محلها قلم الأستاذ في أوراق الامتحان.