السليم وجنى على حقيقة القيم الفنية عند الشعراء الثلاثة؛ ذلك لأن رفاهة الحس أو قوة الشعور عند الشاعرين الإنجليزيين لا يمكن أن ترقى إلى مثيلتها عند الشاعر الألماني. . . إن استكناه دخائل النفس واستشفاف حقائق الحياة شيء وتلقي الموجات الشعورية من أعماق هذه وتلك وصبها في انعكاسات تعبيرية شيء آخر، وهذا هو الخلط الذي يبدو لي أن الكاتب الصيني قد وقع فيه حين نظر إلى عنصر الحساسية عند الشعراء الثلاثة، وهو نفس الشيء الذي وقع فيه الأستاذ أحمد أمين بك حين نظر إلى ملكة السخرية في شعر ابن الرومي على أنها عنصر الفكاهة الذي يقصد إليه (لن يوتانج) إن هناك فارقاً كبيراً بين الفكاهة والسخرية من ناحية الدلالة اللفظية، فقد يكون الكاتب أو الشاعر على نصيب وافر من روح المرح في إنتاجه الأدبي ثم لا يستطيع أن يبلغ هذا المدى في مجال السخرية؛ السخرية التي تهدف أول ما تهدف إلى تناول مظاهر الحياة والأحياء بالتهكم اللاذع والتعريض المقذع والتجريح المرير، وتستطيع أن تلمس هذا الفارق الكبير بين طابع الفكاهة وطابع السخرية في إنتاج كاتبين كبيرين هما مارك توين وبرناردشو، ذاك في المجال الأول وهذا في المجال الأخير.
ثم إننا لو منحنا ابن الرومي على عنصر الفكاهة ثلاث درجات لأضفناه إلى قائمة الظرفاء من أمثال أبي دلامة وأبي العيناء، وهذا هو الأمر الذي لا يستطيع التاريخ الأدبي أن يهضمه حين يضع في بوتقة النقد معادن الشعراء. . . وإذا وافقنا على أنه يستحق على عنصر الحساسية تلك الدرجات الأربع، فإننا لا نستطيع أن نوافق على أن المتنبي مثلا يستحق على هذا العنصر تلك الدرجات الثلاث.
حرية الرأي العلمي بين طلاب الجامعة:
بالأمس شكا إلي طالب في كلية الآداب ظلماً وقع عليه، ظلماً يتمثل في مظهر من المظاهر التي لا تتفق وطبيعة التعليم الجامعي كما يفهمه الجامعيون، لقد فقد هذا الطالب الممتاز درجة امتيازه التي حصل عليها بجهده وعلمه لأنه أراد أن يكون جامعياً، أي أن يكون حر الرأي مستقل النظرة في بحث المسائل العلمية التي تعرض عليه في صفحات كتاب وعلى لسان أستاذ. . . وتتلخص قضية الطالب المظلوم في أنه عارض آراء أساتذته في ورقة الامتحان لأنه يثق بعقله إلى الحد الذي يحول بينه وبين الإيمان بكل ما يقال، وذنبه أنه لا