وألقى الأستاذ صالح جودت قصيدة مؤثرة، تمتاز بمعانيها الرقيقة الهادئة وأدائها الطبيعي الصادق.
وفي ختام الحقل وقف الأستاذ أحمد المازني شقيق الفقيد، فألقى كلمة شكر فيها الحاضرين والنقابة، وقال إنه يزجي هذا الشكر على ما جرت به العادة وإن كان فقيدنا هو فقيدكم، وأنتم كما نحن أسرته.
ولعل من المفارقات أنه في الوقت الذي يشيد فيه الخطباء والشعراء بفضيلة التواضع في المازني، نرى أكثرهم يعمدون إلى شيء من إبراز الذات. فقد قال الأستاذ صالح جودت في قصيدته إنه كان يقصد المازني ويسمعه شعره فيثني عليه ويشيد بشاعريته، وقد يرخص للشاعر في الفجر، ولكن ما أظن ذلك لائقاً في الرثاء. وقال الدكتور مندور: إن أحد الوزراء أرسل إليه كتاباً أثنى فيه على مقاله عن المازني، أو لم يكفه أن نشر هذا الكتاب في البلاغ؟ وقال الأستاذ النقيب إنه عرض النقابة على المازني فأبى لتواضعه وقال إن غيره أولى منه. . . وقال الأستاذ محمد عبد القادر حمزة إن المازني كان زميلا له. فلماذا يكبر نفسه هكذا؟ إنما كان المازني زميلا للمغفور له عبد القادر حمزة باشا.
ولم يعجبني ما أشار إليه الأستاذ صالح جودت في قصيدته، والأستاذ محمد عبد القادر حمزة في كلمته، من أن المازني تقام له حفلة تأبين وتلقى في رثائه خطبة وتنشد قصيدته، ثم ينسى كما نسى غيره - لم يعجبني هذا وإن كانا يقصدان إلى ما جرت عليه هذه البلاد من إهمال ذكرى أعلامها الراحلين، فالمازني لا ينسى، لأنه إن كان قد انتقل جسمه إلى عالم الفناء، فقد انتقل اسمه إلى الخلود في تاريخ الأدب، ولن يستطيع هذا التاريخ أن ينسى واحداً من هؤلاء الأساتذة الذين نقلوا الأدب في مصر وفي سائر العالم العربي من حال إلى حال.