الكتاب في وسط الغلاف، ويرون في هذا بلاغاً، على أن هذا التعبير لا ينطبق على حقيقة الكتاب، فليس موضوع المولى من موضوعات الصراع بين العصبية والدين، وإلا ففي أي نفوس كان هذا الصراع، أفي نفوس العرب؟ فما نعرف أن الذين قسوا على الموالى من الأمويين أو من غيرهم كانوا يجدون في أنفسهم صراعاً بين الدين والعصبية، وإنما كانوا يعتقدون أن العرب أفضل من الموالى ديناً ونسباً، وأن هؤلاء الموالى يحاولون القضاء على الإسلام، لو مد لهم الحبل، ووطئت لهم الأكناف، فمن الإسلام أن يضرب على أيديهم، وأن يحال بينهم وبين ما يبتغون، ونمد الشوط فنقول أن بعض العرب كانوا يقسون على الموالى صادرين عن عصبية عربية، وهؤلاء فيما نعتقد ونؤكد لم يكونوا يشعرون بسلطان الإسلام على نفوسهم حتى تكون هذه النفوس ميداناً للصراع بين العصبية والدين. أم كان هذا الصراع بين الموالى والعرب وهؤلاء متعصبون وأولئك متدينون؟ فقد أخطأ المؤلف التوفيق، فإن دفاع الموالى عن أنفسهم، وتحينهم الفرص، وتربصهم الدوائر بالعرب لم يصدر شيء من ذلك عن تدين في نفوسهم، بل كانوا يصرحون بأن أصولهم وأنسابهم وماضيهم لا تتضاءل أمام أصول العرب وأنسابهم وماضيهم، وإن كان للعرب ماضٍ يفخرون به، بل كانوا يرون أنهم أنقى جوهراً، وأعرق مجداً، والمؤلف نفسه يصرح بهذا المعنى في غير موضع من كتابه، فالصراع إذن إنما كان بين عصبية فارسية، وعصبية عربية، حتى الذين تذرعوا بالدين وحاربوا به الأمويين لم يكونوا يحاربون العصبية العربية، وإنما كانوا يحاربون الأمويين لأنهم اغتصبوا الخلافة من الهاشميين، وهم أحق بها، ومعروف أن المظهر الدين في محاربة الأمويين إنما كان يخفي وراءه عصبية فارسية قاسية، وحقداً أعجمياً عنيفاً. وعنوان الكتاب نفسه أضيق مدلولا، وأقصر ذيلا عن موضوع الكتاب، فالذي يرى العنوان يظن أن المؤلف قصر بحثه عن حال الموالى في عصر الدولة الأموية، ولكن الذي يجد في نفسه الرغبة، فيقرأ الكتاب يجد المؤلف تحدث عن الموالى منذ قيام الإسلام وأفاض في ذلك، فقد تحدث عنهم في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلى حديثاً مستفيضاً، بل تعدى ذلك إلى العصر الجاهلي، وإن كان اختصر في هذا البحث، وكان المؤلف - لو نُبِّه أو تنبه - أن يجعل عنوان الكتاب (الموالى في العصر الإسلامي الأول) أو ما أشبه هذا العنوان مما يكون شاملاً لكل موضوعات الكتاب، وإلا فأي مبرر لأن يقصر