تأخر صوت الأم في الرد ثم تتاهى إلى يغمغم في بطء: قريباً إن شاء الله يا فيفي.
وظهرت أمامي ثانية (تتنطط) كالعفريت!
- بابا سيعود قريباً من الإسكندرية وسنلعب ثلاثتنا معاً.
- إن شاء الله.
قضيت تلك الأمسية موزع النفس بين شتيت من العواطف والأحاسيس؛ ألم وسخط وضيق وحزن. ثم أوتفريدة إلى فراشها فانطلقت إلى الأم.
- ألا تعلم فريدة بموت أبيها المرحوم؟!
سألت الأم، فأجابتني بنغمة كئيبة تفيض بالحزن والألم: كلا. لقد بعثتها إلى بيت عمتها في (المنصورة) أثناء مرض أبيها، ولما توفي استدعيتها ثانية وزعمت لها أنه سافر إلى الإسكندرية لمهمة تتعلق بعمله.
وقرأت معاني التوسل العميق في عينيها وهي تضيف قائلة: أرجو أن تساعدني على إخفاء الحقيقة عنها، فهي تحب أباها حباً عظيماً، وأخشى أن تصيبها صدمة نفسية إن اكتشفت الحقيقة
في هذه المرة أدركت لماذا تضاعف حبي لها واشتد شغفي بها. وكالنهر حين تزدحم مياهه فتتدفق على جوانبه فاضت عواطفي على فريدة. فيفي، احتفظي بعلبة الشوكولاتة لك وحدك. . . فيفي، أعطيني قبلة في عينيك. . . فيفي، أتعجبك هذه العروسة الصغيرة؟! فيفي، هيا نلعب لعبة القط والفار. فيفي، سأصحبك غداً إلى مدينة الملاهي
وسارت الحياة، وانطوى الزمن، وبدأت الأم تتخلى عن تحفظها شيئاً فشيئاً وتتقرب إلى اشتراكنا أول الأمر في عاطفة واحدة؛ حب فريدة. ثم تطور الاشتراك في العواطف وتعددت جلساتنا وطال انفرادنا. في الأسبوع الأول راحت تنتهز فرص غيبة فريدة لتجلس إليّ وتحدثني عن موضوع يتعلق بزوجها مبتدئة بعبارة تقليدية: لقد كان مثال الزوج المخلص رحمه الله. الحمد لله الذي عوض فريدة بشاب مثلك يعوضها من حنان أبيها ومحبته
وفي الأسبوع الثاني تحررت من قيد البيت فتأبطت ذراعي وهمست في حياء: هيا بنا يا سي زكي نقضي الأمسية في أحد المقاهي.