وفي الأسبوع الثالث، في عصر ذلك اليوم دعتني إلى السينما قائلة: في سينما (كايروبالاس) فلم ممتاز لتيرون باور. . . فلنشهده هذه الليلة يا زكي.
وعدنا في الساعة العاشرة والدار يغمرها الظلام وفريدة والخادمة الصغيرة نائمتان أو المفروض أنهما نائمتان. خلعت بدلة السهرة واستبدلت بها لباس النوم. ودسست جسدي بين طيات الفراش فتناهى إلى صوت فريدة تسأل أمها في ضيق وقلق: ماما. . . متى يعود بابا؟!
وجمجم صوت الأم في تردد وبطء: قريباً إن شاء الله يا فيفي. خيَّم الصمت لحظة ثم ارتفع صوت فريدة في لهجة المرتاب: ولكن متى يعود؟! في كل مرة تقولين قريباً، وأنتظر فلا يعود!
- سيعود قريباً يا فيفي وسيجلب لك هدايا كثيرة. والآن يجب أن تنامي وإلا فإنه لن يحبك إذا علم أنك ظللت ساهرة حتى هذا الوقت المتأخر.
حلَّ السكون ثانية فأغمضت عيني ومشاعر الألم والسخط والضيق والحزن تمور في صدري. إلى متى يستمر جهلها بمصير أبيها؟! إلى متى يدوم تضليلها؟! ما أحوجها إلى محبة تعوضها حنان أبيها وتلقى على ذكراه رداء النسيان.
في اليوم التالي ابتعت لها (عروسة) كبيرة ذات عينين تُفتحان وتُغلقان كلما تحرك جسدها.
- فيفي. . . تعالي هنا أتيتك بهدية ظريفة.
دقيقة ودقيقتان وثلاث. . . لماذا تأخرت؟! ثم ظهرت على عتبة الغرفة تخطو في تمهل وتردد.
- خذي هذه (العروسة) يا فيفي. . . أتعجبك؟
وحدقت فيها ملّاً والتردد يشيع في صفحة وجهها النقية، حركت الدمية يميناً وشمالاً فانفتحت عيناها وأغلقتا. وفي لمح البرق اختطفتها من يدي وعدت خارج الغرفة. . ماذا أصابها؟! خرجت وراءها مذهولاً فعالجني بكاؤها منبعثاً من غرفة الاستقبال، مددت رأسي من الباب فرأيتها منبطحة على الأريكة ورأسها مدفون بين الوسائد والدمية مضمومة إلى صدرها، فتهافت على الأريكة بجانبها ومررت بكفّب على شعرها في حنان وأنا أهمس في رقة: