يجدني بالمنزل فسلمها لمن به ومعها بطاقة باسمه - لازلت أحتفظ بها - قال فيها بالحرف الواحد:
(أهنئك على هذا المجهود العلمي الصادق، وأرجو أن تتاح لك الفرصة لنشر هذه البحوث القيمة حتى يفيد منها المشتغلون بتاريخ مصر الحديث، وأشكرك بإعطائي هذا البحث الرصين لقراءته والإفادة منه، وأرجو أن أتمكن من زيارتكم في فرصة قريبة أخرى لإسداء الشكر الخالص).
وفي صيف سنة ١٩٤٨ ظهر كتاب جديد في ٨٤٠ صفحة من تأليف الدكتور شكري وزميلين له من المدرسين في المدارس الثانوية، وعنوان الكتاب:(بناء دولة - مصر محمد على) وقرأت في الصحف أن الكتاب يتضمن ترجمة كاملة لكثير من تقارير الأوربيين عن حكومة محمد علي، أمثال بورنج وبوالكمت وكامبل. . ولحاجتي الدائمة لهذه التقارير أسرعت فاشتريت نسخة من الكتاب. وتصفحتها فإذا بها تتكون من قسمين: قسم مؤلف في نحو ٢٠٠ صفحة، وقسم يحتوي الترجمات السابق ذكرها في ٦٠٠ صفحة، وقلبت صفحات القسم المؤلف فإذا بي أجد فصلاً في عشرين صفحة كبيرة عن (الترجمة والطبع والنشر في عصر محمد علي)، وقرأت هذا الفصل فرأيت ويا لهول ما رأيت، رأيت الصديق والزميل الفاضل أستاذ التاريخ الحديث المساعد قد سطا على رسالتي سطواً تاماً فلخصها في هذا الفصل تلخيصاً كاملاً!!
حتى المنهج - منهجي في البحث - قد سطا عليه فقد ألتزمه عند التلخيص وتتبع أبوابه وفصوله باباً باباً وفصلاً فصلا، لم يحد عنه قيد أنملة: فهو قد بدأ بالكلام عن بواعث حركة الترجمة في عصر محمد علي، وانتقل إلى الحديث عن المترجمين فقسم إلى مترجمين من السوريين، ثم من خريجي المدارس والبعثات، ثم من خريجي مدرسة الألسن، ثم من الموظفين. . . تماماً كما فعلت.
وترك هذا الفصل إلى الفصل الذي يليه في رسالتي وموضوعه التحدث عن المحررين والمصححين، فإذا فرغ منه انتقل إلى الحديث عن القواميس والمعاجم كما انتقلت أنا، وترك هذا كله فتحدث كما تحدثت عن حركة الطباعة والنشر باعتبارها آخر مرحلة من مرحلة من مراحل حركة الترجمة. . . حتى الملاحق - ملاحق الرسالة - لم يتركها لي،