ووضع في الصنف الثالث القبائل الساكنة على حدود المملكة الإسلامية، فخضعت هذه القبائل سياسياً لسلطة المدينة، ودفعت الصدقات إلى الرسول، وفيها أكثرية تتحين الفرص للرجوع إلى حالتها القديمة. ومن أخطر هذه القبائل بنو أسد وبنو غطفان وبنو تميم الساكنون في مناطق نجد الغنية.
ووضع في الصنف الرابع القبائل التي لم تخضع لسلطة المدينة، بل اكتفت بإرسال الوفود إلى الرسول وتظاهرت بالخضوع له. فيها أقلية مسلمة ضئيلة تستند إلى قوة المسلمين في المدينة للاحتفاظ بمنزلتها. ومن أخطر هذه القبائل بنو حنيفة وعبد القيس وأزدعمان وأكثر قبائل حضر موت واليمن. أوفد الرسول إليها عمالاً ليمثلوا الإسلام، وليعلموا المسلمين أمور الدين.
أما القبائل التي وضعها في الصنف الخامس فهي القبائل التي لم تسلم وكانت نصرانية أو مشركة. وهي القبائل الساكنة في الشمال كبني كلب وبني تغلب وبني غسان وقضاعة وتنوخ وبني بكر. وبعض القبائل في حضر موت واليمن.
ولكني لا أجاري المؤرخ الطلياني في تصنيفه هذا؛ بل من الثابت أن تأثير الإسلام في القبائل العربية كان يختلف باختلاف العوامل التي ذكرناها قبلاً، والواقع أن الرسول لم يمت إلا وقد ظهرت حركة الردة في القبائل، فمنها من طلب إعفاءه من إعطاء الزكاة، ومنها من امتنع من إعطائها، ومنها من قدم رجلاً وأخر أخرى في ذلك فأمسك عن الصدقة، وأخيراً منها من ارتد وطرد عمال الرسول أو قتل المسلمين ومثل بهم.
وكان الرسول في حياته قد حرض عماله في اليمن على مقاتلة الأسود العنسي الذي ادعى النبوة واستولى على أكثر مقاطعات اليمن.
أما أبو بكر فرد الوفود التي أتت المدينة وطلبت منه أن يعفيها من إعطاء الزكاة، وقال كلمته المشهودة (والله لو منعوني عقال بعير لقاتلتهم عليه) ولما وردت الكتب من أمراء الرسول تنبأ أبو بكر بأن الناس ارتدوا عامة وخاصة وأنهم تبسطوا بالتمثيل فحاربهم.
٤ - قوات الفريقين:
١ - أهل الرّدة: إذا استقصينا الأخبار التي رواها الرواة توصلنا إلى النتائج التالية:
(أولاً) لم ترتد القبائل الساكنة إلى شرقي مكة وغربها وجنوبها، بل ظلت على الحياد غير