القرية يمثلان لعبة (الاستخفاء) حتى إذا داعب الشباب قلبيهما بنسمات الحب، تطلعت الفتاة حولها حيرى، وسعى الشاب يطرح بين يديها قلبه وماله ومستقبله. فصدمت بمنظره المتخاذل الذليل، وكلماته المترددة المتلعثمة، ولهجته البلهاء المتهالكة، فطردته شر طردة هازئة ساخرة.
ولكن هذه المعاملة لم تزد الفتى إلا حباً وهياماً. بل أن هذا الحب ظل يضطرم ويشب مع الأيام كلما ازدادت الفتاة حياله بروداً ونفوراً.
ولنعد الآنإلى جيزيا وهي تقطع تلك الحقول مسرعة إلى قرية هاثرتون. ووقفت في منعطف يؤدي إلى الطريق العام تفكر في أي الطريقين أقصر إلى القرية. فرأت أنها إذا اتبعت الطريق العام فسيكون عليها أن تقطع مسافة ميلين لتصل إلى بيت السيدة برسكلوف في تلك القرية. ولكن إذا اختصرت فسلكت هذا الحقل الوعر الذي ستعترضها فيه انحدارات خطرة وكثير من النباتات المتشابكة وصفوف من الحيطان المترنحة الواهية البناء، بذلك تستطيع أن تصل إلى القرية في أقل من ربع ساعة. قالت: هذه حقول ريف بارامور، وأعتقد أنه ليس فيها اليوم فسأغامر وأقطعها لأني متضايقة من الحر فلا أستطيعالمشي طويلاً في الطريق العام.
ووضعت السلة من يدها وجعلت تزحف بين النباتات البرية النامية وخلال الأغصان المتشابكة حتى كانت بعد دقائق على ضفة جدول كبير تجتازها بحذر وتماسك لئلا تزل قدميها وتقع فيه. ووصلت إلى رأس منبعه حيث يتفجر من خلال كومة من حجارة رملية فتسلقتها بخفة وقفزت إلى حقل قمح منبسط انطلقت تمشى فيه براحة واطمئنان يغمرها النبات المتطاول، حتى رأت أمامها حائطاً عالياً يعترض طريقها.
كان هذا الحائط صعب التسلق لضعف بنائه وتداعى حجارته. ولكن هذا لم يثبط من عزمها ولم يضعف همتها وهي الفتية النشيطة، فلم تجفل أمامه ولم تحجم عن تسلقه. فوضعت سلة البيض على حجر ثابت فيه، وبدأت تصعد بخفة ونشاط. ولكن راعها أن رأت خطر الصعود أشد مما كانت تتصور. فكانت نتوء حجارة الكلس تتفتت تحت قدميها حتى كادت تهوى إلىالأرضلولا جهد المستميت.
وكادت أن تصل أعلى الحائط عندما هلع قلبها وهي تراه قد بدأ يميد بها ويهتز تحت ثقلها