لانفعالها، وأحست به يلتصق بحنجرتها فقالت متظاهرة بالشبع تبغي العودة لعملها. ولكن ريف استبقاها إلى جانبه قائلاً: أنا معتاد أن أدخن غليوناً بعد الوجبات. دعينا نستعيد ذكريات الطفولة في هذه الأثناء. أتذكرين عندما كنت أتسلق أعالي الأشجار لأجلب لك العصافير من أعشاشها. . .؟
فنفضته جيزيا بنظرة حانقة لهذا الأسلوب الكريه الذي يحاول أن يستعيلها به ثم مشت عائدة إلى عملها دون أن تنبس بكلمة.
ولاحظ عليها ريف أنها نشطت في عملها عما قبل، فراحت تسرع في جمع الحجارة قلقة وجلة كلما انحدرت الشمس نحو المغيب. فقابل هو إسراعها ووجلها بالبرود والبطيء في عمله دون رحمة أو شفقة. حتى إذا ما قارب النهار الزوال، ورأت الحائط لم يتم منه النصف، نظرت حولها جزعة، ثم ارتمت على الأرض تبكى بحرارة.
وفوجئ ريف ببكائها لم يكن يتوقعه منها وهي العنيدة الصلبة. فشعر بخطئه في تلك المعاملة القاسية لها فتألم واضطرب خوفاً من سوء العاقبة. وقال يخاطبها برقة: جيزيا ما بك.؟ أعتقد أنني أتعبك كثيراً. في وسعك أن تذهبيالآنوأنا سأكمل بناء الجدار وحدي.
ولشد ما كانت دهشته عندما رآها تهب واقفة قبل أن يتم كلامه وتمسح دموعها بسرعة وتعود إلى عملها نشيطة في جمع الأحجار أكثر مما كانت عليه. فردد في نفسه: يا لهذه الفتاة الصلبة! إن كبريائها لم تتحطم بعد، فهي تأبى مظاهر الضعف والذل في بكائها الذي استدر عطفي.
وأحس بالشفقة نحوها، فراح يساعدها بهمة لا تعرف الكلل حتى تم بناء الحائط بعد ساعتين.
عندئذ أسرعت جيزيا وقبل أن تلتقط أنفاسها، اختطفت سلتها بحركة عصبية وراحت مهرولة في طريقها إلى القرية. كانت صامتة واجمة شاحبة الوجه تعتسف طريقها الشائك مستجمعة قواها المحطمة.
وشعر ريف بالندم وهو يراها في هذه الحال المؤلمة، وأنبه ضميره بشدة وعصر قلبه الألم فأسرع وراءها يصيح معتذراً: جيزيا إنني أسألك المعذرة.