للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من صدق النظر وصحة الحكم جعله وهو في مكتب الأهرام وندوته عضو شرف في كل حزب، ووزير دولة في كل حكومة.

أما أسلوبه الأدبي في الكتابة والخطابة فكان شعريا في صوره وأخيلته وألفاظه. كان يغلب عليه سلامة التركيب ووضوح المعنى وحسن الترسل، ويكثر فيه تضمين الأبيات واقتباس الحكم وإيراد النوادر. وقد شغلته الجهود الصحفية والاجتماعية عن الفراغ للأدب المحض فما كان يكتبه إلا مدفوعا إليه بإلحاح الطلب وإكراه الحاجة، كأن يكتب مقدمة لديوان صديق، أو بحثا في أدب شاعر، أو محاضرة في دار نقابة، أو خطبة في مجلس الشيوخ. ولقد كان له وهو في عهد الاستشراف والطموح إنتاج أدبي متصل، وعته جريدة البشير الدينية ومجلة الزهور الأدبية. ومن آثاره في ذلك الحين روايتاه: (أبطال الحرية) وموضوعها الانقلاب العثماني، وبطلاها القائدان التركيان نيازي وأنور. و (السموأل أو وقاء العرب) وموضوعها وبطلها معروفان. وهاتان المسرحيتان لا تمتازان ببراعة الحوار ولا بقوة البناء، وإنما تمتازان بفصاحة اللفظ وبلاغة الأداء.

وإذا كان لي أن أضيف إلى ما قلت كلمة في وفائه لمصر وحبه للمصريين فحسبي أن أقول إني لم أر في الأدباء الذين توطنوا هذا البلد كاتبا قبل الجميل، ولا شاعرا قبل مطران، نالا الرضى المصري بكل معانيه ومن جميع نواحيه، بإخلاص العمل لهذا الوطن، وإصفاء المودة لأهله، واعتقاد العرفان لجميله.

هذه - أيها السادة - بعض مزايا الرجل الذي كتب علي أن أودعه بلسانكم في رحلته الأبدية عن هذا المجمع. وإني لأشعر وأنا أجلس في مكانه الخالي أن كرسيه ينكرني كما ينكر الفرس الجواد الراكب الغر. ولقد حدثتني نفسي - شهد الله - حين تأدي ألي خبر أنخابي لعضوية المجمع أن استعفيه من هذا التشريف، لا زهادة في الشرف، ولا رغبة عن العمل، ولا فرارا من الواجب، ولكن لعلة نفسية مزمنة كان من أخف أعراضها إني أحسن العمل منفردا أكثر مما أحسنه مجتمعا. وربما جعلتني - لعنها الله - أعلم الشيء ولا أقوله، وأسمع الخطأ ولا أصوبه، وأرى المنكر ولا أغيره. وتلك كانت حالي معها وظل الشباب وارف، وعود الأمل ريان، وقوة النفس عارمة؛ فكيف تكون حالي معها اليوم وقد بلغت المدى الذي بعده القصور، والأمل الذي بعده الذكرى، والساحل الذي بعده القفر؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>