للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال لك أبوك وقد تهيأتما معا - أنت وزوجك - للسفر (يا بني، هذه زوجتك تذر دارها لترعى شأنك وإن الدار لتشرق بالنعمة والخفض، وتنأى عن أهلها لتأنس إلى حماك وإن قلوب ذوي قرابتها لتفهق بالحنان والعطف، وتفزع إلى رجولتك وإن حواليها ألف رجل ورجل يفتدونها بالروح والمال، وتنزل لك عن عالها وهو غمر لتهدأ جائشتك وتسمو إلى طلبتك؛ فكن إلى جانبها رجلا. والرجل إن ضاق بالمرأة زوجة لم يضق بها رفيقة، وإن ضجر بها صاحبة لم يفزع عنها ربة دار وأما. وإن الشهامة في الرجل لتجعله - دائما - يحس في المرأة العجز والضعف، وتدفعه - أبدا - إلى أن يجد اللذة والسعادة في أن يحمي ضعفها ويناضل عن عجزها. وهذه الفتاة - زوجك - منك بالمكان الذي تعرف فكن لها عائلا وأخا وصاحبا؛ واستشعر - دائما - إلى جانبها الرجولة والشهامة والإنسانية)

ودوت كلمات أبيك الشيخ في مسمعيك فأنتفض لها قلبك لأنك لمحت فيها نور السماء يتألق على لسان ملك.

وجاءت الزوجة الريفية لتعيش هنا في - في القاهرة - سجينة في دارك لا تجد السبيل إلى متعة المدينة ولا إلى نور المدينة وأنت طالب لا تملك فراغا من الوقت ولا فضلة من المال. وراضت الزوجة نفسها على الصبر فهي تقضي صدر النهار في غمرة من حاجات الدار: تعد لك الطعام وتهيء اللباس وتوطئ الفراش، ثم هي تدعك - صدر الليل - تفرغ إلى درسك تنتظر أوبة قلبك وفراغ عقلك. وأني لها ما تريد وأنت تسعى إلى غاية وتهدف إلى غرض، والطريق وعر والمرتقى صعب.

وشملتها موجة عارمة من الفرح يوم أن تخرجت في كلية الطب فأقبلت إليك وإن إهابها ليكاد ينقد من شدة الطرب. . . أقبلت تهنئك بالفوز المبين. ودوت كلمات أبيك الشيخ في مسمعيك فانتفض قلبك وتيقظت مشاعرك فأقبلت أنت أيضاً تهنئها بنجاحك وبين يديك أولادك الصغار.

وانطوت السنون تدفعك إلى ذروة المجد وترفعك إلى قمة الثراء فما حدثتك نفسك مرة واحدة أن تطب لمرض زوجك، وهوعته ديني، وأنت من بذرت غراسه في نفسها حين أرهقتها الوحدة وأمضتها الخلوة؛ وأنت في شغل لا تعبأ بما يعتريها من ضيق وملل ولا تلقى بالا إلى ما يجتاحها من ثورات نفسية، فانطلقت - وأنت طبيب - تقضي سحابة

<<  <  ج:
ص:  >  >>