الإنسان واستحالت النتيجة - مثل قولنا أن يكون المرء مؤمنا وكافرا أو متحركا وساكنا أو حيا أو ميتا في آن واحد. إن الإنسان لا يقدر على ذلك وحريته مقيدة أمام التناقض. فالحرية لا تعني إذن القدرة على عمل أي شئ أو ضده - وبما أن الله لم يزل يعلم مجرى الأمور حسب قوانينها فهو يعلم عجز الإنسان أمام التناقض كما أنه تعالى لم يزل يعلم قوانين العالم فكل ما يحدث فيه كان هو لم يزل عالما به.
وفي الحالة الثالثة: يقول الجبائي إذا وصل شيئان أحدهما جائز والآخر مستحيا فتكون النتيجة مستحيلة؛ مثلا إذا قلنا إن الكافر يؤمن في حين أن الله يعلم ويخبر أنه لن يؤمن فمن المستحيل أن يؤمن هذا الكافر فتكون إذن حرية المرء مقيدة بعلم الله وإخباره. ولكنها حالات شاذة تلك التي يخبرنا الله فيها عن علمه.
أثر منطق أريسطو:
إن تحليل الجبائي لمسألة علم الله ومصير الإنسان هو تحليل منطقي لا شك أن لمنطق أرسطو أثرا كبيرا فيه. فمقابلته القضايا الإيجابية أولا والقضايا السالية ثانيا واستنتاجه النتائج الإيجابية أو السالبة كل ذلك يدل على أن الجبائي كان ملما بهذا المنطق وحاول أن يستخدمه في مسألة من أدق المسائل وأعقدها. إنها لمحاولة جريئة وهي ليست الوحيدة من نوعها في فلسفة المعتزلة.
من هذا نستخلص أن جل هم المعتزلة هو رد الصفات ومن ضمنها صفة العلم إلى ذات الله تعالى. وبما أن هذه الذات قديمة لا متناهية ثابتة فيكون العلم أيضاً قديما لا متناهيا ثابتا. ثم أن الله لم يزل يعلم كل الأمور وإذا كان العالم قديما بالنسبة إلى علمه تعالى فإنه يتحقق في الزمان تبعا لهذا العلم - أما فيما يختص بمسألة قدرة الإنسان على أعماله فالمعتزلة تحلها بقولها إننا نشعر بحرية الاختيار وإننا نجهل علم الله وإن عدل الله يضطرنا إلى القول بهذه الحرية - وكل المسألة الأخلاقية متوقفة عليها.