أصل من أصولها في علم الله. يقول هشام: إن من هو الآن مؤمن عابد ولكن في علم الله إنه يموت كافرا فإنه الآن عند الله كافر. وإن من كان الآن كافرا مجوسيا أو نصرانيا أو دهريا أو زنديقا ولكن في علم الله يموت مؤمنا فإنه الآن عند الله مؤمن. فلا غرابة في هذا القول إذ أن علم الله لا يتغير؛ فإذا علم الله منذ الأزل أن فلانا سيموت كافرا ولو آمن وقتا من الزمن فإنه عند الله كافر؛ لأنه تعالى لم يزل يعلم أن بعد إيمان هذا الشخص كفرا. ولا يجوز أن يزيد كفر المؤمن شيئا في علم الله - هل يعني ذلك أن لا قدرة للإنسان على أعماله لأن الله لم يزل يعلمها؟ نحن نعرف أن المعتزلة (أهل عدل) أيضاً أعني أنهم يقولون إن الإنسان قادر على أعماله محاسب عليها - فكيف يكون التوفيق بين القولين إن الله لم يزل يعلم كل شيء، وإن الإنسان قادر على أعماله؟
هناك حل دقيق أتى به الجبائي ليوفق بين هذين القولين. فيقول: لنفحص الحالات الثلاث الآتية:
أولا: يقول الجبائي إذا وصل مقدور بمقدور كانت النتيجة إيجابية صحيحة؛ مثلا لو قلنا إذا آمن الكافر (شرط أول) وكان الإيمان خيرا له (شرط ثان) لأدخله الله الجنة (النتيجة الصحيحة لهذين الشرطين) والمقدوران هما: العودة إلى الإيمان بعد الكفر - الإنسان في إمكانه أن يعود إلى الإيمان - وإذا لم نخير الله عما يناقض ذلك فتكون هذه الحالة الأولى صحيحة.
عند تحليل هذه الحالة نجد المعتزلة تعترف بمقدرة الإنسان على الكفر وعلى الإيمان وذلك بمجرد اختياره؛ ثم أن الله لم يزل يعلم هذا الاختيار. إننا هنا بدون شك بصدد نقطة صعبة وهي شعورنا بمقدورنا على اختيار شئ أو حال دون الآخر، هذا من جهة، ومن جهة أخرى علم الله منذ الأزل بما نختاره.
وإذا تمسكت المعتزلة بالقول بقدرة الإنسان على أعماله كان تمسكها هذا صونا لعدالة الله وإلقاء المسئولية على الإنسان وحده عندما يعاقب أو يثاب. ففي هذه الحالة الأولى التي يعرضها الجبائي برهان كاف على حرية الاختيار عند الإنسان على شرط أن يأتي اختياره على شئ ممكن جائز مقدور.
الحالة الثانية: إذا كان هناك شيئان متناقضان فلا يمكن التكلم عن حرية الاختيار عند