أن نية الاحتلال كانت مبيتة لدى إنجلترا قبل ضرب الإسكندرية بكثير. وقد شاهد المستر بلنت بنفسه الاستعدادات الحربية تجري في إنجلترا منذ شهر يونية سنة ١٨٨٢م.
إن إلقاء التبعة على إنجلترا مما لا يختلف فيه اثنان وهو ما حققته الحوادث فيما بعد.
ولكن مهلا أيها القارئ العزيز فإن احتلال مصر جريمة أكبر من أن تقترفها يد واحدة كيد عرابي أو كيد الدولة العثمانية أو الخديوي أو حتى يد إنجلترا نفسها.
حقا لقد أخطأ عرابي؛ ولكن، من ذا الذي لا يخطئ؟ وهل يكون خطأ عرابي سببا في إلقاء تبعة الاحتلال بأسره عليه وفي تصويره بتلك الصورة التي لا تليق بهذا الزعيم الوطني المصري الصميم؟ لقد أحس الأستاذ محمود الخفيف أن عرابي مظلوم وأن أعداءه بالغوا في الكيد له والزراية عليه حتى قال:(والحق أنه قل أن نجد في رجالنا رجلا ضاعت حسناته في سيئاته كما ضاعت حسنات عرابي فيما افترى عليه من سيئات. كذلك قل أن نجد في رجالنا رجلا كرهه أكثر بني قومه مضللين، واستنكروا أعماله جاهلين بقدر ما كره هؤلاء عرابيا).
ونحن نميل إلى هذا الرأي الأخير لا بدافع التعصب أو الرغبة في إنصاف عرابي ولكن بدافع الرغبة في إنصاف الحقيقة والتاريخ وكلاهما كما تبين لي ينصفان عرابي. وسأسوق من الأدلة التاريخية ما يقف إلى جانب ما كتبه صاحب كتاب (أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه) عسى أن تتغير نظرة المصريين إلى زعيم المصريين.
ولكن، ما هي تلك الحقائق التاريخية؟
الواقع الذي كشف عنه البحث العلمي الحديث أن احتلال مصر كان شيئا مقررا ومرسوما قد اتفقت عليه الدول الأوربية من قبل. لقد تمت حوادث الاحتلال خلال صيف سنة ١٨٨٢م ولكن. . ولكن الاتفاق على فكرة الاحتلال نفسها كان قد سبق ذلك بكثير.
لقد كانت الوحدة الألمانية وكان ظهور بسمرك عاهل ألمانيا العظيم وأكبر سياسي سيطرت شخصيته على مجرى الحوادث الأوربية في ذلك الحين. وكانت الحرب السبعينية (١٨٧٠) م فانتصر فون ملكته ودخل الألمان باريس وخرت فرنسا جاثية على ركبتيها أمام جبروت بسمرك والألمان. ولكن بسمرك كان يجمع إلى القوة الحربية دهاء الساسة وحذقهم. فرأى بثاقب نظره أن حزب الانتقام يتكون في فرنسا وينادي بأخذ الثأر من ألمانيا فلم يكن منه إلا