أن فكر في شغل أذهان الفرنسيين عن المناداة بالانتقام فوجه أطماعهم خارج القارة الأوربية وأوحى إليهم بتوسيع إمبراطوريتهم الإفريقية. وهكذا أخذ بسمرك يلوح للفرنسيين بضرورة احتلالهم لتونس، ولكن احتلال فرنسا لتونس سيترتب عليه اختلال توازن القوى بينها وبين إنجلترا في البحر الأبيض. وأنتهز ساسة إنجلترا فرصة تساهل بسمرك فرحبوا بفكرة احتلالهم لمصر مقابل السماح لفرنسا باحتلال تونس.
(والواقع أن فكرة احتلال إنجلترا لمصر مقابل احتلال فرنسا لتونس إنما ترجع إلى أوائل عام ١٨٧٦ حين رأى بعض الساسة الإنجليز أن على إنجلترا انتهاز الفرصة واستغلال الفرص الذي قدمه بسمرك باستيلاء إنجلترا إلى مصر في مقابل تمكين فرنسا من احتلال تونس)
وبدأت الفكرة؛ فكرة احتلال إنجلترا لمصر تتقدم منذ ذلك الحين على يد بسمرك لا لشيء إلا لأنه يريد أن يسكت إنجلترا حين تقوم فرنسا باحتلال تونس.
وفي إبريل سنة ١٨٧٨ نجد (مونستر) السفير الألماني في لندن يؤيد فكرة احتلال إنجلترا لمصر ويدعو لها كما يتحمس لها في ذلك الحين أيضاً (سولسبري) من الجانب الإنجليزي.
وهكذا تنمو فكرة احتلال إنجلترا لمصر مع فكرة احتلال فرنسا لتونس وتسيران جنبا إلى جنب يؤيدهما ويباركهما بزمارك علل ألمانيا برضائه وبتأييده ونفوذه.
لقد كتب مراسل التيمس إلى جريدته في ٢٠ أبريل سنة ١٨٧٨م يقول:(لقد روى لي بسمرك بنفسه أنه قال لللورد بيكو نسفيلد حين شاهده لأول مرة أن من صالح إنجلترا أن تتفاهم مع روسيا على أن تدعها حرة في القسطنطينية مقابل إطلاق يد إنجلترا في مصر).
وهكذا أصبح مفهوما من ضمن أحاديث الساسة أن الاتفاق قد تم على هذا التقسيم. وحين أراد ساسة فرنسا السير جديا في مشروع احتلال تونس سعوا إلى الحصول على تأكيد كتابي من إنجلترا حتى لا تعود فتتنكر لما قطعه ساستها من عهود. وقد حصل الفرنسيون على هذا التأكيد الكتابي في ٧ أغسطس سنة ١٨٧٨م. ثم يسعى الإنجليز بعد ذلك بدورهم للحصول على تأكيد رسمي من فرنسا بموافقتها على احتلالهم لمصر فيثيرون المشاكل أمامها في تونس ويقفون عقبة دون القيام باحتلالها. ويتساءل الفرنسيون: (لماذا تلجأ إنجلترا إلى إقامة العقبات أمامنا في تونس؟ إن لها في البحر الأبيض وسوف يكون لها