أساس له في الواقع، والمصري إذ يتوهم في نفسه النقص والضعة لا شك أنه بذلك سيخلق في نفسه النقص إن كان منزها عنه وسوف يضاعفه إن كان مشوبا بالرشاش منه.
إن الفلاسفة الألمان يوم أعلنوا أن (ألمانيا فوق الجميع) وإن الإنجليز يوم اعتبروا عنصرهم أسمى العناصر، وكمال أتاتورك يوم جعل شعبه يؤمن بأن التركي اطهر الأجناس، كل أولئك لم يكونوا داعين إلى عصبية قومية عمياء ولم يعتبروا قط أنهم أسمى البشر فعلا، إنما كانت غايتهم أن يبثوا في نفوس مواطنيهم الشعور بالكرامة والعزة ليصلوا من ذلك الشعور إلى مراتب الكرامة والعزة الحقيقتين.
وإن الله تعالى حين أعلن في القرآن الكريم مبدأ (كنتم خير أمة أخرجت للناس) لم يكن - سبحانه وتعالى - بالطبع يدعو إلى عصبية دينية لأن القرآن نفسه قد حوى أسمى مبدأ في المساواة تامة بين البشر جميعا، والقرآن في ذلك يبتغي أن يجعل المسلم يعتز بنفسه ودينه ويشعر بالكمال والقوة فوق سائر الناس فيدفعه ذلك الشعور إلى العمل الذي يتفق معه ويؤدي إلى جعله حقيقة واقعة.
وهكذا تخلق الأمة القوية من مجرد الشعور القوي بالقوة والأنفة بينما تنحط الأمم مهما كانت قيمتها يوم يستولي عليها الشعور بالنقص ويبتليها الله بانحطاط الروح المعنوية وضياع العزة القومية.
أخي المصري. . . إننا لم نصل بعد إلى هذه الدرجة المنحطة من الضعة والتفاهة حتى نوهم أنفسنا بذلك، ومن الجرم أن يعتقد المصري في نفسه ذلك النقص، فنحن بخير ويحق لنا أن نعتز بقوميتنا، فإننا مهما بالغنا في ذلك الاعتزاز فنحن أهل له. نحن شعب ناهض بلا شك، وإن كان الاحتلال لا زال يعوق نهضتنا فليكن لنا من ثقتنا في أنفسنا السلاح الذي نحطم به ذلك العائق حتى نحقق ما نراه في أنفسنا من عزة وكرامة وقوة سجلها لنا تاريخنا الغابر وهي في سبيل أن يسجلها لنا التاريخ الراهن، إذا كنت ناقصا في بعض الشيء يا أخي فلتعمل لتكمل في نفسك ذلك النقص، ولا تستشعر النقص في نفسك، فالشعور بالنقص هو النقص عينه، بل قل (مصرنا فوق الجميع) ولسوف تصبح كذلك إن آجلا أو عاجلا فليس سبيل السيادة بمقصور على أمة أو شعب إنما هو مشاع للعاملين.