الطريفة في الكتابة والتعبير. ولن نستطيع أن نعرف مقدار ما أدى للبلاد واللغة من الخدمات هو وأمثاله من رواد الأدب والفكر إلا إذا عدنا بالذاكرة إلى أوائل هذا القرن العشرين.
كانت مصر في أول هذا القرن لا تزال خامدة راكدة من أثر ما أصابها من الصدمات في القرن الماضي. ثم دب النشاط فيها شيئاً فتحركت أول حركتها بطيئة ضعيفة وسرى فيها دم الحياة على هينة كما يسري أول نسيم الفجر بعد ليلة طويلة من ليالي القيظ. وكان من أول مظاهر هذا العهد الجديد إعادة الكرامة إلى اللغة العربية الشريفة: بعد أن قضت رَدَحاً من الزمن غريبة في ديارها قد غلبتها الأمية على أمرها ونحتها تفاهة الحياة عن عرشها.
وفي هذه الحقبة الخطيرة من حياة اللغة العربية كان الأستاذ الزيات وصحبه يجاهدون لنصرتها في تلك الدار المتواضعة المطلة على ميدان بيبرس.
وجد أن الأدب يلقن لتلاميذ المدارس على طريقة لا غناء فيها، إذ كانت الدروس لا تزيد على ذكر أسماء الشعراء والكتاب، يساق أحدها بعد الآخر سرداً، ويورد لكل منهم بيت أو بيتان مما قال، وسطر أو سطران مما أنشأ، ولعل هذا لا يكون من خير ما قال أو كتب، ثم يوصف بعبارة مدح عامة تكاد تتكرر بعد كل من تلك الأسماء، حتى لكأني بالطلاب يخرجون من دراستهم على أن الشعراء والكتاب صور تعيش في الوهم في عالم لا علاقة له بهذه الحياة، بل لقد حكم عليها بأن تنزوي في معاهد التعليم ذاتها، فكانت تدرس كمادة ضئيلة من مواد الدراسة، على حين كانت اللغة الأجنبية تحتل مكان الصدارة في سائر الدروس.
وبدأت الأنظار تتجه إلى اللغة الكريمة وارثة التراث العظيم نلتمس فيها ومنها غذاء الفكر وروى القلب، ولكنها كانت في حاجة إلى من يترجمونها.
كان لا بد للغة العربية عند ذلك من أن تجد من بنيها من يجعلونها تستقل بنفسها، وتضطلع بحملها، وتؤدي رسالتها. فكانت أحوج ما تكون اللغة إلى من يطوِّعونها لأغراضها، ويعيدون إليها مرونتها وقوتها. كانوا جميعاً أعظم الكتاب والشعراء شأناً وأعلاهم قدراً، يغوصون على المعاني فيخرجون منها بالدرر، ويبدعون في البلاغة إبداعاً يجب على الطلاب أن يؤمنوا به وإن لم يروا آية تدل عليه. فلم يكن فيما يدرس من آداب اللغة ما