الصيد، حتى إذا ما لاحت لهما الظباء العفر تحرك أذنابها وثب قلباهما طرباً وسددا إليها السهام حتى يظفرا بصيد منها ثم يجلسان معاً يطربان سائر يومهما بما أصابا من لذة الصيد والفتوة؟ فلو أراد كاتب آخر أن يستعير ذلك اللفظ في تعبيره عن الألم لفقد صديق حميم لم يكن يخرج معه إلى صيد الظباء في الأيام الصافية لكان جديراً بأن يخطئه التوفيق. فليس هذه الألفاظ بعينها التي تخلع البلاغة على عباراتها وإنما هي ظلال المعاني الخفية التي جعلت لتلك الألفاظ دلالة وأكسبتها شرفاً. ومن الألفاظ الأخرى ما لا يقل في الأداء روعة عنها إذا لم يزد عليها في التعبير عن الحسرة للمتعة المفقودة في مواطن أخرى. فالصديق الذي كان يحس المتعة في صحبة صديقه إذ يمرحان على شاطئ البحر مثلاً لا يزيد على أن يكون سخيفاً إذا رثى صديقه قائلاً (أحقاً أني لن أراك طوال الدهر ما لألأ العفر) وإنما البلاغة في أن يقول مثلاً (ما لمعت أمواج البحر الفاترةُ في أيام الصيف الوديعة) فإذا كان الصديقان ممن يرتادون مجاهل الصحراء معاً أو يجولون بين الغابات العاتية، كان الأجدر بمن يريد أن يعبر عن حزنه لفقد صاحبه أن يقول (أحقاً لن أرى صديقي ما هبت الرياح بين الأغصان، أو ما غابت الشمس وراء الكثبان.
ويمكن أن نخلص من هذا إلى أن خير الألفاظ وأشرفها ما كان جديراً بتأدية المعنى واضحاً في غير عسر، وما كان فيه ظلال من المعاني توحي بالأثر النفسي الذي يريد الكاتب أن يبعثه في نفس قارئه. وذلك لا يتأتى إلا إذا كان اللفظ حياً تحيط به هالة من المعاني يستمدها من الاستعمال في الحياة. وإذا كانت الكلمات غريبة بعيدة عن الاستعمال كانت أحرى بالتقصير عن تأدية حق البلاغة في التعبير.
وقد سار الأستاذ الزيات على هذه السنة في أسلوبه سواء أكان ذلك في ترجمته أمفي إنشائه. غير أنني أقول في شيء من التردد أنه يحاذر أن يستخدم لفظاً يظنه سوقياً أو يظن أن القارئ يراه سوقياً. فهو إذا تحدث عن الماء البارد قال الماء الخِصر، وإذا ذكر عبوس الوجه قال ابتساره وهو يقول: لو عَرفَت لهذا الخطب لتبدد يأسها، يقصد أن يقول لو صبرت للخطب وتجلدت ويقول: اليوم وجدت بي إقهاء عن الطعام؛ وانماث قلبي كما ينماث الثلج؛ وفرقتهم عُدواء الدار. وإني أرى للوزير صَوْرة إلي منذ زمن طويل. وما أظنه يعمد إلى هذا إلا لغاية مضمرة في نفسه؛ فقد رأى بعض الكتاب إذا ترجموا قطعة من